هذا ما جنته حماس!

إبراهيم درويش- العربي المستقل

يمسح ما لفظه جسمه من سموم، نجحت الشمس في أن تخطّها على بشرته، يرمي جسده المتعب تحت تدفقّات مياه باردة، تغسل معاناته في غضون لحظات. يبدّل ملابسه، ويختار أريَحها. يمدّد جسده على أريكة مناسبة، ليستلّ بعدها فنجان قهوة فاخرة، ويدسّ هاتفه في اليد الاخرى، ويبدأ رحلته السياحية الإفتراضيّة، الى حيث تميل الروح والمزاج.

وبينما يعبث إبهامه الصغير بأحداث العالم، لا مفرّ أمام هول الأحداث في فلسطين المحتلّة، أن تقع عيناه، على المجازر الوحشيّة في قطاع غزة. ينجح إبهام آخر صلف، في الضغط على أشلاء الابرياء، ونثرها بعيدا من حقل النظر، يستكمل إسكات صراخات الأطفال، وأنين الجرحى، ويمضي بعيدا عن عالم الموت، فالعالم مليء بالصخب والجمال، فما همّنا من أشلاء الأطفال، ووجع الأمّهات، وارتجافات الرعب والجوع، فوسائل التواصل حبلى بما هو أجمل.

ليست كل الإبهامات متشابهة، فهناك إبهامات أشدّ صلفا من تلك العابرة فوق الأشلاء. إبهامات قرّرت أن تعبث بالجثث، وتنكأ في الجراح، وتهرس قليل الطعام المتوفر. تخلع عنها ما علُق على جسدها من رداء إنسانية فضفاض، تفتح سطور منابر، ما كان أكثر المتفائلين بينهم، يخالون يوما أنها ستمنحهم يوما الفرصة لتقيئ قذاراتهم على الملأ، فيخطّون أبشع عبارات الكراهيّة والحقد، ويتسكملون تهشيم ما تبقّى من عظام، بالتفنن في ابتكار التبريرات لعدو لم يحتج يوما الى حجج أو عذر او توضيحات ليثبت نهمه الى الدماء، لعدو يستمد بقاءه من القتل، والتربّع على الاشلاء والأوجاع.

هؤلاء، ومن فيئ نظريّات “حب الحياة” و “السلام” و”كانوا عايشين” و”انتوا قدهم؟” و”القوة بالضعف” و”الحياد” و”شوفوا شو صار” يتنصلون ويتبرأون من كل معاني العبارات الواردة أعلاه، هؤلاء ايضا، ينقسمون الى قسمين، قسم تشرّب الحقد والتشفّي والدونيّة والتلذّذ بأوجاع وآلام غيره، وقسم يخال الحياة ورديّة، يمكن برمجتها بما يتناسب مع الأهواء، والرغبات فتحافظ على النسّق المرسوم. هؤلاء يخالون أن النّبات ينمو وحده، بلا أن تخشوشن الأيادي، وأن تحترق الجباه والوجنات. هؤلاء أفسدهم دلال ذويهم، والنِعم التي ما عرفوا مسار وصولها اليهم، حتى خالوا كل هدف سهل المنال، كما أفسدتهم أفلام الخيال، والمدّ الثقافي المشوّه، وحطم كيانهم ترويض الأنظمة، حتى مُسخت مفاهيمهم الإنسانية، وباتت تزعجهم صراخات المظلومين. هؤلاء جل أمنياتهم، أن تموت الضحية بصمت، بلا أنين، من دون ان تعكّر صفو أيامهم. هؤلاء يريدون الشهد من دون أبر النّحل، هؤلاء، قرأوا تاريخا آخر غير الذي نعرفه. هؤلاء لا يعرفون مفهوم الأمن القومي، ولم يقرأوا عن ذلك الثور الاحمر الذي أُكل يوم أُكل الثور الابيض، لم يقرأوا عن لعبة الأمم، مجموعة من المياومين اللحظويين الآنيين. ليتهم يحبّون الحياة فعلا، ويبذلون القليل في حبّها، حتماً لما آلت الأمور الى ما آلت اليه من توحّش الانسان، وتنصله من دور الانساني. ليتهم، يخشون الموت، فيرفضونه لغيرهم، ويبعدونه عنهم، ليتهم يعرفون ان الحياة أقصر بقصير مما يخالون، وأن الإنسانية لا تتجزأ، وأن موت الانسان في موت قلبه وضميره وإنسانيته، لا في موت جسده.