الديار: لبنان من دون دولارات قريباً… وهذه هي التوقّعات

كتبت صحيفة “الديار” تقول: تُواصل القوات الروسية تركيز هجومها على كييف (في الشمال) وماريوبول (على البحر الأسود). ففي حين تبعد القوات الروسية مسافة 25 كيلومترًا عن العاصمة كييف، تتعرّض ماريوبول المحاصرة منذ عشرات الأيام، إلى ضغط عسكري كبير في ظلّ محاولات لإيصال مساعدات إنسانية إلى سكّانها.

الضرّر المادّي كبير جدًا ويتخطّى أي خيال، وإذا كانت روسيا تعترف بأن الوضع في بعض المدن كارثي، إلا أنها تُحمّل المسؤولية للـ «القوميين الأوكرانيين» الذين، وبحسب السلطات الروسية، يُقوّضون المناطق السكنية ويُدمّرون البنى التحتية. ويتّهم فلاديمير بوتين القوات الأوكرانية بإنتهاك القوانين الإنسانية وهو ما وضعته فرنسا في خانة الأكاذيب.

وفي حين أن الدبلوماسية تتحرك، تبقى الكلمة على الأرض للمدافع والصواريخ التي تعلو أصواتها في المدن الأوكرانية، «مدنُ أشباح» كما يصفها بعض مراسلي وسائل الإعلام. وأمس قصفت القوات الروسية قاعدة عسكرية في غرب أوكرانيا قرب الحدود البولندية في خطوة حملت رسائل لحلف شمال الأطلسي الذي يضم بولندا بين صفوفه.

أوكرانيا والدوّلة الفاشلة

وفي حين يشتدّ الطوق على العاصمة كييف، تُطرح العديد من الأسئلة وعلى رأسها: ما هو المتوقّع للعاصمة كييف؟ هل هو حصارٌ أو هجومٌ مباشرٌ؟ فالمشهد على الأرض يُشير إلى أن الطرق الوحيدة المُتاحة إلى العاصمة هي الطرق الجنوبية التي بدورها تتعرض لحصار مُتزايد من قبل القوات الروسية. الجدير ذكره أن مطار فاسيلكيف الواقع جنوب العاصمة كييف، تمّ تدميره من قبل الروس نهار السبت في ضربة كبيرة للوجستية المساعدات للعاصمة. أيضًا تعرّضت الضواحي الشمالية – الغربية من العاصمة (بالتحديد إيربين وبوتشا) لقصف عنيف من قبل القوات الروسية، وهو ما يوحي بأن الهدف هو عزل المناطق المتاخمة للعاصمة بهدف عزل هذه الأخيرة بالكامل. وتُرجّح وزارة الدفاع البريطانية أن فرّق الرتل من الدبابات الروسية الذي كان متواجدًا شمال العاصمة كييف، يُعزّز فكرة الرغبة في تطويق العاصمة كييف. وبالإشارة إلى حجم الدمار الذي يلحق بالحجر والبشر، نقلت وكالة رويترز أن القوات الروسية استخدمت قنابل فوسفورية خلال قصفها لأهداف في شرقي أوكرانيا ليلة السبت الماضية!

المُقاومة الأوكرانية وعلى الرغم من المُساعدات العسكرية النوعية التي تتلقاها من الغرب، إلا أنها غير قادرة على وقف الماكينة العسكرية الروسية التي تتبع أساليب عسكرية شبيهة بتلك المُستخدمة في الحرب العالمية الثانية حيث للمدرعات والدبابات والمدافع الدور الأول في العمليات العسكرية. أضف إلى ذلك زجّ عدد كبير من المرتزقة في الحرب الدائرة والتي تعفي موسكو من أي مسؤولية عن إرتكابات هذه المرتزقة.

إذًا ومما يُستنتج من التطورات العسكرية، نرى أن ما تقوم به القوات الروسية هو: (1) حصار المدن الأوكرانية، (2) تدمير البنية التحتية للدولة، (3) تدمير البنية التحتية العسكرية، (4) حملة إرهاب وبث الرعب، و(5) فتح ممرات «إنسانية» لإفراغ المدن من سكانها وتوجيههم الى أوروبا. لكن ما هو الهدف من هذه العمليات؟

التحاليل تُظهر أن الهدف الإستراتيجي من هذه العمليات هو تحويل أوكرانيا إلى دولة فاشلة أو ما يُعرف بالـ «Failed State» لن تستطيع بعد ذلك النهوض وتحتاج إلى خطّة مارشال (Plan Marshall) لإعادة إعمارها. وبالتالي لن يرغب أحدًا بعد ذلك، لا حلف شمال الأطلسي ولا الإتحاد الأوروبي بضمّ هذه الدولة إلى صفوفه. فالقيصر الذي عانى على حدوده منذ سنوات بسبب الأميركي يثير المشاكل من خلال طروحاته (بحسب النظرة الروسية)، جاء يوم الحساب (بحسب نظرة بوتين) من خلال مفهوم «الدول الفاشلة» الذي يعتبرها البعض صنيعة أميركية إستخدمها بوتين لخلق دولة فاشلة في قلب أوروبا الضعيفة عسكريًا، دولة لن تزعجه بعد اليوم.

وبالتالي، الإحتمال الأكثر حضورًا هو أن بوتين لن يهاجم المدن للدخول إليها بل سيقوم بحملة تدمير شاملة من الجو والأرض وسيزج بالمرتزقة بهدف ترويع المدنيين وتوجيههم نحو أوروبا في قوافل لا تنتهي. وهو ما سيكون له تداعيات كارثية على أوروبا التي لم تهضم حتى الساعة مئات الألاف من اللاجئين السوريين والأفغان، فكيف لها أن تستوعب ملايين اللاجئين الأوكرانيين؟ الجدير ذكره أن الخلافات الأوروبية – الأوروبية ما زالت قائمة على توزيع اللاجئين السوريين والأفغان فيما بينها.

الآتي أعظم

في الواقع تداعيات الأزمة الروسية – الأوكرانية ألقت بظلالها على الإقتصادات العالمية من خلال إرتفاع في أسعار النفط العالمية ومن خلال نقص كبير في المواد الغذائية الأولية وعلى رأسها الحبوب والزيوت. ولعل نسب التضخّم التي بدأت تُسجّلها الإقتصادات العالمية دليل على تأثير أسعار النفط في النموذج الإقتصادي العالمي حيث يدخل النفط في تصنيع، تعليب ونقل أكثر من 95% من السلع والبضائع التي نستهلكها، حتى أن وسائل النقل البشرية تعتمد بشكل شبه حصري على النفط ومشتقاته.

إرتفاع أسعار النفط العالمية التي قاربت الـ 125 دولارا أميركي للبرميل الواحد قبل أن تُعاود الهبوط إلى 110 دولارات أميركي للبرميل، دفعت بأسعار السلع والمواد الغذائية والصناعية إلى الإرتفاع إلى مستويات عالية جدًا أدّت إلى زيادة التضخّم إلى مستويات خطرة على الإقتصادات غير القادرة على إستيعابها! كل السلع والبضائع إرتفعت أسعارها بالدولار الأميركي وهنا الصعوبة الأكبر على البلدان الفقيرة حيث أن حكوماتها غير قادرة على دعم شعبها المتروك لنفسه على مثال ما يحصل في لبنان حيث أن لا كهرباء والمازوت متوافر في السوق السوداء بأسعار خيالية، والحطب أصبح يُنافس المازوت، والأكل أسعاره تلتهب.. كل هذا في ظل إحتكار «ضارب طنابو» تحت أعين الدولة اللبنانية!

التجار عمومًا والسوبرماركات خصوصًا، فرضوا على المستهلك دفع نصف قيمة الفاتورة كاش وهو ما يجعل الأمر شبه مُستحيل على المواطن الذي يتوجّب عليه دفع الفواتير بالكاش مع العلم أنه لا يستطيع الحصول على المبلغ من المصارف عملًا بمبدأ أن التجار لا يُعيدون الكاش إلى المصارف وبالتالي فإن ضخ الليرة في السوق سيؤدّي حكمًا إلى تهاوي الليرة اللبنانية أمام الدولار.

في هذا الوقت، يكتفي المسؤولون بإعلانات رنّانة على وسائل الإعلام من دون أي ترجمة فعلية (على كل الأصعدة من دون إستثناء). فالقمح سيصبح قريبًا مادّة مفقودة في ظل غياب عرض السوق الأوكراني وإستحالة إستيراد القمح الروسي بسبب العقوبات، وفي ظل عمليات الإحتكار والتهريب التي تمارسها العصابات. والمحروقات سُتصبح من نصيب المُقتدرين فقط وهي التي ستُسقط الموازنة وأرقامها نظرًا إلى أن الموازنة تمّ تحضيرها على أساس فرضية سعر برميل النفط بين 72 و81 دولار أميركي للبرميل الواحد، وها هو البرميل اليوم بحدود الـ 110 دولار أميركي، فأين العجز من هذا السعر؟

إنها الفوضى بكل أبعادها، والآتي أعظم! فالمشهد لا يقف عند هذا الحد، إذ أن العقوبات التي طالت القطاع النفطي الروسي ليست إلا جزئية، وبالتالي وبفرضية فرض عقوبات شاملة على القطاع النفطي الروسي من المتوقّع أن يكون هناك نقص في سوق العرض بقيمة 4.5 مليون برميل نفط يوميًا وهو ما سيرفع سعر البرميل إلى أكثر من 200 دولار أميركي! بمعنى أخر كل الإقتصادات ومن دون أيّ إستثناء ستتأثر بشكّلٍ كبير قد يؤدّي إلى أزمة إقتصادية عالمية ستدّفع ثمنها الشعوب الأكثر فقرًا، ومنها لبنان الذي سيشهد نقلة سلبية مُلفتة من ناحية مستوى معيشة مواطنيه مع تردّ كبير في كل الخدمات وحتى عدم القدرة على الحصول على المواد الغذائية!!

وبالتوازي، يُطالعنا أصحاب السلطة بمشاريعهم الإنتخابية التي لن تحّل المشاكل الإقتصادية ولا المعيشية. وبالنظر إلى التصاريح التي تصدر عن الأحزاب والمرشحين، نرى أن نتائج الإنتخابات لن تُغيّر شيئًا في الواقع المعيشي للمواطن لا بل على العكس، فتوزيع موازين القوى سيؤدّي حكمًا إلى إستمرار الصراعات السياسية وبالتالي غياب الحلول الإقتصادية والمعيشية.

لبنان من دون دولارات!

الواقع المرّ الذي يعيشه لبنان وغياب الحلول السياسية والإقتصادية، يجعل لبنان يستهلك كل موجوداته من العملة الخضراء. هذا الأمر يعني أن لبنان يتّجه نحو أكبر كارثة معيشية في تاريخه وقد تكون الأسوأ منذ مجاعة الحرب العالمية الأولى، مع غياب القدرة على الإستيراد نظرًا إلى شحّ الدولار من الأسواق. وهو ما يعني أن اللبناني الذي يأخذ أجره بالليرة اللبنانية ويُحوّله إلى دولار أميركي، سيصل إلى مرحلة لن يكون معها قادرا على الحصول على الدولار نظرًا إلى أن الدولار يذهب إلى الإستيراد بكميّات هائلة!

أيضًا تقوم الدولة اللبنانية بدفع أجور موظفيها والمساعدات الإجتماعية من خلال الحسابات المصرفية وتطلب من المصرف المركزي دفعها إلى المواطن نقدًا وهو ما يعني – في ظل عدم قبول التجار إعادة الكاش إلى المصارف – إستنزاف الدولارات الباقية في الأسواق لصالح بعض التجار الذين يُهرّبون أموالهم إلى الخارج من دون أي رقابة من قبل السلطة، أو ضخ ليرة لبنانية في السوق وهو ما سيؤدّي حكمًا إلى تدهور سعر الصرف إلى مستويات جنونية.

المُعالجة الحكومية غائبة بكل ما للكلمة من معنى والأيام والأسابيع المُقبلة ستكون حكمًا أكثر قساوة على المواطن الذي سيُعاني الأمرّين إذا لم تقم الحكومة بتوقيع إتفاق مع صندوق النقد الدولي كفيل بإدخال الدولارات إلى الإقتصاد اللبناني. فهل تتأثر قرارات الناخبين في الإستحقاق النيابي المُقبل، أم أنها ستُرسّخ واقعًا نعيشه منذ فترة طويلة؟ الأسابيع القادمة كفيلة بالردّ على هذا السؤال.