إبراهيم درويش- العربي المستقل
لو أغمضتَ عينيك عن حجم الدمار، وأعداد القتلى من الأبرياء، لكان، أصبح التموضع فوق أشلاء الجثث أمراً سهلاً، ولما نجحت فرقعة المفاصل وهي تتهشّم تحت أقدام المتحاربين، في خدش سماعنا، أو خفض رؤوسنا قليلا، نحو القبور العطشى الى موجة نزوح وهجرة أبدية.
أمّا عن تجربتي الشخصية، فمنذ أن ارتدَت الحرب زيّها العسكري، وحاولت أن أبدي رأياً أو أن أصمت، حتى كنت أجابه بمطرقة السؤال الأبله “أنت مع روسيا أم مع اوكرانيا”؟، طبعا سؤال تكرّر على مسامع الكثيرين، وتحوّل الى مادة سجال، بدءا من منصّات التواصل الاجتماعي الى المجالس الخاصة، الى سهرات المقاهي، حتى تخال أنّك امام كلاسيكو مرتقب، يستوجب من بوّابة الحماس أولا، ومن بوابّة اللحاق بالركب، أن تختار فريقا تراهن على فوزه.
وبعيدا، عن العيون التي لا ترى الا من زاوية واحدة، يكون من السذاجة، أن تسأل “إبن جنوب لبنان” تحديدا عن رأيه في الحرب في أي بقعة دارت، هو من دفع أثمانا باهظة لجبروت الإحتلال، الذي لم يوفّر لا بشرا ولا حجرا، وحوّل ملاعب أطفاله مسارح موت عبثيّ، وكان العالم منقسم بين مراهن ومراب، وداعم لقتله، ومتفرّج مستمتع، ومتفرج متحسّر بعجز وخجل، ورافض عاجز.
يعتقد البعض أن الحرب انتهت، فيما ينغشل فريق متخصص، بعمليّة الإقناع أن الحرب انتهت في هذه المنطقة، كما يحاول البعض أن يصوّر العدوان الإسرائيلي، على أنه حقبة مضت وطويت، بينما ندوب هذه الحرب لا زالت محفورة في الاجساد وفي الذاكرة ، من طائرات تفننت في صناعة الموت، الى المدفعيّة التي كان تستلذّ في استهداف تجمعات المواطنين، الى القنابل العنقودية، ودمى الأطفال التي زنّرها القاتل، بصواعق الموت.
أبناء الجنوب على وجه التحديد، من دفعوا ثمن مخططات التقسيمات الدولية، وحكم الجغرافيا- السياسية، وجميع من عاشوا الحرب بيومياتها، وحقارتها ووحشيتها، يكرهون القتل، والدماء، والظلم، والتهجير، وانعدام الأمن والأمان، في أيّ بقعة من بقاع الأرض.
هم يدركون جيدا، حقارة لعبة الأمم، ويدركون أنّ السمك الكبير ينهش السمك الصغير، بلا رحمة، ويدركون أنّ البحر غدّار، لا موازين عدل فيه، ولا عدل فيه الا عدل القوي.
لا ينسى الجنوبيون، من قامر بأطفالهم، ومن مزّق أجسادهم، لا تسألوهم هم مع من، هم حتما الى جانب الفقراء والأبرياء والآمنين، هم مع السلم الذي حرموا منه، لكنّهم حتما يتوقون الى كسر الإحتكار العالمي، هم يطربون بانشغال القوى العظمى بشؤونها، بحل أزماتها وجها لوجه، بحك جلدها بأظفارها، بعيدا من تحوّلنا أوراق لعب على طاولة قمارهم، هم حتما لديهم ثأر متوارث، ويريدون ان تكسر يد كل مقامر بمصير الشعوب، وخيرات البلدان، قبل أن يستجمع قوته، ويتفرّغ لقتلنا مجددا.