ابراهيم درويش- العربي المستقل
خطّ كثيرون في مقالاتهم، وصفحاتهم وتصاريحهم، فصول التّسوية بين إيران والسعوديّة، أسقطوا ما في جعبتهم من تحاليل، وما في أفئدتهم من تمنيّات سواء إيجابيّة أم سلبيّة، ورسموا خارطة الإتّفاق الإيراني- السّعودي، ومساره من اليمن الى بيروت مرورا بسوريا، وذهبوا أبعد من ذلك بكثير، للحديث عمّا بعد التسوية، وعن آثارها.
لا يشكّ إثنان، أنّ أيّ مسار تسووي في المنطقة، وأيّ تقارب، أو تفاهم بين لاعبَين رئيسيين في المنطقة، سينعكس حتما على دول الجوار، وهذا ما كان محطّ خلاف دائما، في مواجهات الحملات الوردية، الداعية الى تحييد لبنان عمّا يحصل خارج حدوده.
لكن أي “لبنان”، المراد تحييده؟
لبنان المسروق، المنهوب، العاجز عن تسيير شؤونه بنفسه؟ لبنان الذي يغلق عمقه الحيوي والإستراتيجي مع جارته سوريا، بخلاف مصالحه الحياتية والإقتصادية، لبنان الذي بمحاذاة حدوده الغربية بحر، والجنوبية “إحتلال”؟ لبنان الذي يفاوض صندوق النقد الدولي؟ والذي ينتظر الموافقة الأميركية لإستجرار الغاز، لبنان العاجز عن تسليح جيشه بما يمكنه من بناء جيش قوي قادر على التصدي لاي اعتداء خارجي عليه؟ لبنان الممنوع من استخراج نفطه، وينتظر مفاوضات الترسيم مع الكيان بوساطة اميركية؟ أم لبنان الذي اتخذت مكوّناته منذ نشأته، موقفا من كل ثورات وتطورات المنطقة والعالم، وحارب الى جانب الفرنسي وضده، والعثماني وضده، الفلسطيني وضده، ومع حلف بغداد وضده، والجمهورية العربية المتحدة وضدها، لبنان الذي ضم شتى اشكال والوان المعارضات على أرضه، من دون أن يكون لأي من الدول الخارجية، موقفها الحادّ، تجاه المواقف المتنوعّة، التي كانت تصدر من بيروت في غير اتجاه.
في كل الاحوال، من يتابع تفاصيل التطورات في اليمن، ولا سيّما في الساحل الغربي، وشبوة تحديدا، يدرك أن أيّ ملفّ بخلاف الملفّ المرتبط بالعلاقات السعوديّة- الايرانيّة المباشرة، لا يمكن أن يقارب، من دون خارطة شاملة في المنطقة، قد تبدأ من البحرين، الى اليمن، مرورا بالعراق وسوريا، وصولا الى بيروت، وطبعا، وبخلاف ما يحاول أن يشيعه البعض، فما يحكى عن أن التسويّة الجديدة، اشتملت كلمة سر ايرانية، أعادت اجواء الوئام، في دول الاشتباك، لا أساس له من الصحّة، في جعبة الايرانييين ولا السعوديين.
أولا، ساذج من يعتقد، أنّ تسوية بهذا الحجم، يمكن أن تحصل من ضوء أخضر أميركي، وتوزيع أدوار كامل في المنطقة، يلحظ في جوهره الصراع مع كيان الاحتلال، بما فيه مسار التطبيع، والتاثيرات، واحتمال دخول المنطقة، في أتون من الفوضى العسكرية العارمة.
ثانيا، وبعيدا من تفاصيل وتعقيدات الساحة اللبنانية، فلا يظن احد ان الملف اليمني، بهذا القدر من البساطة، التي تتيح، لصحفي طوّع أنامله، في لحظة تجلّي ليخوض في تفاصيل ما يحصل بين اليمن والسعودية، من دون الإبحار مئات السنوات، في تاريخ العلاقات بين البلدين، من مجزرة تنومة 1923، حتى سفينة الروابي مؤخرا، والتفاصيل اليومية في شبوة، والدور الاماراتي، وما تريده الولايات المتحدة من هذه الحرب، ولا سيما حول وضع الملاحة في مضيق باب المندب، والهواجس الاسرائيلية، فضلا عن النقطة الاهم، وهي الاعتقاد الساذج أنه يمكن لأي طرف خارجي، بعيدا من المونة والتمني، أن يتحكم في القرار اليمني الداخلي.
ومن باب المصادفة، ترافقت السطور الاخيرة للمقال، مع التطورات التي حملت اعلان استهداف القوات المسلّحة في صنعاء استهداف ابو ظبي، ما يلخّص، حجم التعقيد في الملف اليمني، ولا سيما بعد التصعيد الاخير للإمارات، في الجنوب اليمني بعد انكفاء، ورسائل صنعاء، بانها ستستهدف العمق الاماراتي.
في خلاصة الامر، حتى اللحظة، لا انعاسكات للتقارب السعودي- الايراني على أي ملف في المنطقة، لا بل على العكس من ذلك، فبموازين الحسابات، ممكن ان تعزز التوترات اوراق التفاوض، مع العلم أنّ مساعي التقارب، كانت استبقت الاجواء الايجابية، لاحتمال توصل إيران الى اتفاق مع مجموعة اربعة زائدا واحد، ما قد يزيد من أوراق قوة المفاوض الايراني في المنطقة، ووضعت السعودية الملف اليمني على الطاولة، وقالت ايران هذا الملف بيد صنعاء”.
اذا يبقى، لبنان بتفاصيله الداخلية، حتى اللحظة، يراوح، بين تجاذب داخلي، وفساد مستشري، وما المتغيّرات الأخيرة، سوى في إطار سعي الى احتواء الوضع قبل الانتخابات، في ظل الإرادة الخارجية بعدم انفجار تام للوضع، وسعي الكتل السياسية الى بدء ترتيب اوراقها، استعدادا لمعركة الانتخابات -في حال حصولها- وهو ما يفسّر تدخّل حاكم مصرف لبنان في السوق المالي، لخفص سعر الدولار، وما يحمل الأجوبة المباشرة عن عودة حركة أمل وحزب الله عن قرارهما بمقاطعة جلسات بمجلس الوزراء، في ظل حالة الستاتيكو السائدة في البلد، وعدم نجاح الخطوة المتخذة في تحقيق اي خرق في اطار الهدف المنشود، في المسار القضائي.
كما سيبقى لبنان في حال من المراوحة بإنتظار الرياح الخارجية، التي وبخلاف القراءات الورديّة للبعض، لا يمكن أن يقوم بذاته، ولمن لا زالوا يصرون على صم آذانهم، إسألولهم ” كيف رُسم لبنان بشكله الحالي، ولماذا؟ ومن موّل النظام السياسي طوال هذه السنوات، بمؤتمرات، وقروض، من دون أن يسأل، أين تذهب هذه الأموال، وصولا الى الإنهيار التام الذي وصله البلد مؤخرا؟