كتبت صحيفة ” الجمهورية ” تقول : تستمر الأزمة السياسية والديبلوماسية بين لبنان والمملكة العربية السعودية ومعظم دول الخليج في التفاعل، في غياب أي حلّ وسط، فيما الرهان على عامل الوقت علّه يبدل المواقف ويهدئ النفوس، بما يؤدي الى احتواء الأزمة. وفيما تنطلق مواقف تدعو الرياض الى التهدئة وإعادة النظر في إجراءاتها المتخذة ضدّ لبنان، تستمر الاتصالات داخلياً لبلورة مخرج من شأنه ان يقنع القيادة السعودية ومعها دول الخليج، بتغيير موقفها إيجاباً. وهذا المخرج يصرّ عليه المسؤولون الكبار، ولا سيما منهم رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي اللذان، حسب معلومات لـ”الجمهورية”، يصرّان على استقالة وزير الاعلام جورج قرداحي، لاقتناعهما بأنّها تفتح باب الحل مع الجانب السعودي والخليجي.
وقالت مصادر حكومية لـ”الجمهورية”، انّ عون وميقاتي “متوافقان على وجوب استقالة قرداحي، وانّهما يستغربان عدم تجاوبه مع دعوتهما اليه لتحكيم ضميره وحسّه الوطني بالاستقالة، بما يتيح معالجة الأزمة مع السعودية التي بنت ما اتخذته من إجراءات ضدّ لبنان على مواقف اتخذها قبل توزيره، ثم في الإيضاحات التي قدّمها إثر نشوء الازمة”. ورجحت المصادر ان يكون عدم تجاوب قرداحي مردّه لخضوعه الى مجموعة من المؤثرات والقناعات والعوامل التي تتصل بمستقبله السياسي وبمصالح بعض القوى المؤيّدة له في موقفه والقوى التي يتلاقى معها سياسياً.
عنوان المرحلة
وفي ضوء هذه المعطيات، فإنّ التصعيد السياسي هو عنوان المرحلة في المنطقة لا في لبنان فقط، وخطورة هذا التصعيد انّه انتقل من السياسي إلى الأمني في العراق، مع محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، والخشية من عودة الاغتيالات في لبنان. والربط بين بغداد وبيروت لا يقتصر على الجانب الأمني، إنما أيضاً لجهة الانتخابات النيابية التي حصلت في العراق، وهناك من يسعى إلى منع ترجمة نتائجها على أرض الواقع، ودخول لبنان في مدار الانتخابات النيابية التي ستحصل بعد أشهر من اليوم. وهذا التطور العراقي المستجد وإسقاطاته اللبنانية، لا يلغي الأزمة المستمرة مع الخليج، والأزمة المتصلة بالمحقِّق العدلي طارق البيطار، واستمرار الشلل الحكومي.
وقد تلقّى ميقاتي جرعة دعم قوية من المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، داعياً “الأفرقاء كافة على الساحة اللبنانية إلى التعاون معه للخروج من المأزق الذي يعيشه لبنان في علاقاته مع أشقائه العرب، وبخاصة المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي”، كذلك تلقّى جرعة من العيار نفسه من رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، الذي شارك في اجتماع المجلس الشرعي، وأكّد انّ “الوقت غير مناسب الآن للمطالبة باستقالة رئيس الحكومة لعدم إفراغ الساحة أمام “حزب الله” وحلفائه”. وهذه المواقف أتت بعد ان كان ميقاتي حدّد خريطة طريق للخروج من هذه الأزمة، تبدأ من استقالة قرداحي، وتفصل بين عمل مجلس الوزراء وعمل القضاء.
على انّ ما تقدّم يعني انّ استقالة ميقاتي غير مطروحة بالحدّ الأدنى في الوقت الحاضر، ولكنه لن يكون في وارد العودة إلى اجتماعات الحكومة ما لم تُحل مسألة قرداحي في ظل رفض “حزب الله” استقالته، وهذا يعني انّ إحياء العمل الحكومي بات يستدعي معالجة مسألتي قرداحي والبيطار، وإلّا فإنّ الشلل سيتواصل فصولاً، وهو مفتوح على تصعيد سياسي.
وعلى رغم المعلومات والكلام المتداول عن حلول يُعمل على إنضاجها لحلّ مسألتي قرداحي والبيطار دفعة واحدة، ولكن لا شيء مضموناً حتى الساعة، والمحاولات مفتوحة على النجاح والفشل في آن معاً، إلّا انّ اهتزاز الحكومة فور انطلاقتها انعكس على اندفاعتها، خصوصاً لجهة الصدمة الإيجابية التي انتفت مع الأزمات الأخيرة، ولا يُعرف بعد ما إذا كانت ستتمكن من إدارة مفاوضات ناجحة مع صندوق النقد الدولي، تعيد وضع لبنان على طريق الخروج من أزمته المالية.
والوظيفة الثانية للحكومة بعد صندوق النقد، هي إجراء الانتخابات النيابية التي لم يعد مصيرها معروفاً، ليس بسبب ما حصل في العراق، وإنما مصير المِهل ودعوة الهيئات الناخبة في حال قبل المجلس الدستوري الطعن الذي سيتقدّم به تكتل “لبنان القوي”، والذي يعني العودة بالقانون إلى صيغته الأصلية، إن بالنسبة لاقتراع المغتربين وحصر تمثيلهم بـ6 مقاعد من دون منحهم الحق بالمشاركة في انتخاب 128 نائباً، او لجهة موعد الانتخابات، فيرحّل من 27 آذار إلى منتصف أيار المقبلين.
وفي خلاصة الصورة، فإنّ كل المشهد السياسي يسوده الإرباك الشديد، من الأزمات المفتوحة على التأزُّم لا الحلول، إلى الشلل الحكومي المفتوح على الاعتكاف، وصولاً إلى الثابت الوحيد في المشهد وهو الوضع المالي الذي يواصل تدهوره.
الجامعة تسبق الوساطات
ولكن، توازياً مع الحركة الديبلوماسية الصامتة التي تقودها الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا في الكواليس الاقليمية والدولية لرأب الصدع بين لبنان والسعودية، تقدّمت الى الواجهة الحركة التي أوحى بها الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، بإيفاد الامين العام المساعد حسام زكي الى بيروت، الذي سيجول اليوم على رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب.
أفكار لا مبادرة
وقالت مصادر ديبلوماسية لبنانية وعربية لـ “الجمهورية”، انّ الوفد يحمل رسالة من ابو الغيط الى المسؤولين اللبنانيين، يدعو فيها الى العمل من اجل تطويق الأزمة الديبلوماسية بين لبنان والمملكة العربية السعودية والدول الحليفة لها في الخليج العربي بجدّية مطلقة، والقيام بما يلزم من خطوات لتجنّب الأسوأ.
ولفتت المصادر، الى انّ الوفد الذي سيحمل معه حصيلة المشاورات التي أجراها ابو الغيط مع عواصم الخليج العربي، مستقصياً الظروف التي دفعت الى اتخاذ القرارات الاخيرة تجاه لبنان، وما يمكن ان تقوم به الجامعة العربية لحل المشكلة. ولم يغفل أبو الغيط الوقوف على رأي الحكومة المصرية بهذا الخصوص، فكانت له مشاورات مع وزارة الخارجية ودوائر الرئاسة المصرية.
وأشارت المصادر، الى انّ الوفد سينقل إلى ابو الغيط رؤية المسؤولين اللبنانيين للحل، وما يمكن الحكومة ان تقوم به وما لا تستطيع اليه سبيلاً. ولذلك فهو لا يحمل معه اي مبادرة او اقتراح محدّد، وإن كان يحمل مجموعة أفكار متفرقة لا ترقى الى إمكان تحولها مبادرة شاملة.
وختمت المصادر مؤكّدة “انّ المهمة ستكون استطلاعية ولساعات محدّدة، على ان يعود الوفد مساء الى القاهرة، بعدما تبين انّ مكتب الجامعة العربية الذي طلب سلسلة المواعيد لم يشر الى جدول اعمال الوفد، وحصر موضوع الزيارة بالأزمة الديبلوماسية بين لبنان ودول الخليج.
ضغط لا وساطة
في السياق نفسه، استبعدت اوساط مطلعة ان تسفر زيارة زكي لبيروت اليوم عن نتائج إيجابية على مستوى إحداث خرق في جدار الأزمة بين السعودية ولبنان. وقالت لـ”الجمهورية”، انّ “الجامعة هي أضعف من ان تجد حلاً لهذا الخلاف، والتجارب أثبتت انّ تأثيرها متواضع في أزمات المنطقة”. وتوقعت هذه الاوساط ان يأتي ممثل الجامعة العربية الى بيروت، “ليس للوساطة وانما للضغط على المسؤولين اللبنانيين في اتجاه اتخاذ مبادرة حسن نية نحو السعودية لفتح باب الحوار معها”، متسائلة عمّا اذا كان زكي سيزور الرياض ايضاً في إطار مهمته.
واشارت الاوساط، الى “انّ الواقع السياسي يبدو مقفلاً حتى إشعار آخر، تحت وطأة الملفات المتراكمة والمترابطة. وهناك خشية من ان يكون الداخل المكشوف مشرّعاً على مزيد من التعقيدات في المرحلة المقبلة، سعياً الى دفع الرئيس نجيب ميقاتي نحو الاستقالة لإصابة عصفورين بحجر واحد: الاستقرار الداخلي والانتخابات النيابية”.
تدابير روتينية
وفي ظل الحراك الديبلوماسي العربي لاحتواء تردّدات الأزمة الديبلوماسية بين لبنان والدول الخليجية، عززت المراجع الأمنية من نسبة التدابير الامنية حول بعض السفارات العربية والخليجية تحديداً، بالتعاون مع أجهزة الأمن فيها.
وتعقيباً على الروايات التي نُسجت عن تهديدات طاولت عدداً من هذه السفارات، نفت المراجع الأمنية عبر “الجمهورية” علمها بأي حراك يهدّد أمن هذه المراكز الديبلوماسية. ولفتت إلى انّها تعتمد منذ مدة طويلة تدابير استثنائية في محيط بعض السفارات، ولم يتغير شيء منذ وقت طويل. وأشارت الى انّ القوى الامنية ستمنع اي تحرّك غير مرخص له حول أي من السفارات الاجنبية او العربية في لبنان بكل الوسائل المتاحة، وذلك حفاظاً على الامن والاستقرار.
اجتماعات وهمية
وعشية زيارة الوفد العربي الى بيروت، سرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي معلومات كاذبة نقلاً عن وكالة “الأناضول” التركية، تحدثت عن اجتماع “وهمي” على مستوى ”ممثلي وزارات الداخلية في مجلس التعاون الخليجي” ضمّ جميع الدول الأعضاء ما عدا سلطنة عمان، اطلع فيه المجتمعون على “لوائح تمّ إعدادها، تشمل جميع اللبنانيين وعائلاتهم المقيمين في دول المجلس، اضافة الى بعض المقيمين من أصول لبنانية ممن يحملون جنسيات بلدان اخرى” مرفقة بتصنيف لمجموعات سيجري طردها من دول الخليج وخصوصاً الموالين منهم لـ”حزب الله”.
وقفة دعم للبيطار
وعلى وقع مسلسل الدعاوى التصحيحية التي ستمطر النيابات العامة اليوم في العدلية، أُطلقت امس دعوة بإسم “اتحاد ساحات الثورة” ومجموعة من حركات التغيير، الى التجمّع عند الحادية عشرة من قبل ظهر يوم الخميس المقبل أمام قصر العدل تضامناً مع القاضي البيطار، تحت شعار رفض “التحايل غير القانوني” المستمر من أجل تنحيته عن التحقيق في تفجير بيروت، ولأنّ خيار الناس هو حماية التحقيق من إصرار جهات سياسية عدة إخفاء الحقيقة وتمييع العدالة وإضاعة المسؤوليات، ولأنّ القضاء يجب أن لا يكون ألعوبة بأيدي السياسيين.
مواقف
وفي جديد المواقف السياسية، قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في قداس الاحد من في بكركي: “لو كان معطّلو الحكومة عندنا وبالتالي ممتهنو تعطيل المؤسسات الدستورية، والحياة الإقتصادية، وإفقار الشعب، مؤمنين حقاً بالله، لخافوه خوفاً مقدساً، وسارعوا إلى مرضاته عبر تأمين خير الشعب كله، وعبر تعزيز المؤسسات العامة وتنشيطها. لكننا نرى العكس تماماً، وبخاصة عندما تبوء بالفشل جميع الوساطات الداخلية والخارجية، وتغلب كفة التعطيل وإفقار المواطنين”. وأضاف: “مع تعطيل الحكومة، يتعطل من ناحية أخرى نشاط القضاء المنزّه والحيادي والجريء. وهذا يقلق للغاية. فإنّ بعض القضاة يعززون الشك بالقضاء من خلال مشاركتهم في تعطيل التحقيق في تفجير المرفأ أو تعليقه أو تجميده أو زرع الشك في عمل المحقق العدلي. فقبل أن يطلب القضاء من الشعب أن يثق به، حري بالقضاة أن يثقوا بعضهم بالبعض الآخر”.
واكّد الراعي “إنّ ما يجري على صعيد التحقيق في تفجير المرفأ مستغرب حقاً: طعن وراء طعن وردّ وراء ردّ، ونقض وراء نقض وتعليق وراء تعليق، وأرواح الشهداء تنتظر، وأهالي الشهداء ينتظرون، والعالم ينتظر. لماذا هذا الإستخفاف بدماء أكثر من 200 ضحية، و6 آلاف جريح؟”. وتطرّق الراعي الى أحداث الطيونة وعين الرمانة وقال: “إذ نترك للقضاء المستقل أن يأخذ مجراه في هذه الأحداث، ندعوه إلى أن يكون حيادياً تجاه الجميع، ويراعي حقوق الموقوفين فيتوافر لهم حق الاجتماع بمحاميهم ولقاء أهاليهم، وندعوه للإسراع في التحقيق والإفراج عن كل من تثبت براءته”.
عوده
من جهته، متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده اكّد في قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت، أنّ “الكلام مسؤولية، ومن واجب الإنسان، والمسؤول بخاصة، أن يزن كلامه احتراماً لنفسه ولكرامته وكرامة وطنه. ألا تكفينا المشكلات والأزمات؟ هل نحن في حاجة إلى مزيد؟”. ورأى أنّ “فترة الإذلال طالت، وأنّ المواطن لم يعد قادراً على التحمّل، وعوض أن يتكاتف الوزراء ويتآزروا في عملهم من أجل وقف التدهور وبدء التقدّم، نرى تعطيلاً وشللاً بسبب تباين المواقف، والخلافات والتناقضات والمصالح التي تفرّقهم عوض أن يكونوا مجتمعين على فكرة العمل والإنقاذ، بحسب شعار حكومتهم. ماذا نجني من التعطيل إلّا المزيد من الانهيار؟ وهل يميز الانهيار بين فئة وأخرى وطائفة وأخرى؟ ويحدثوننا عن العزة والكرامة وحرية التعبير”. وسأل: “أي كرامة لبلد ضعيف، مفلس، منهار، معزول، محكوم إلّا بسلطة القانون؟ أين حرية التعبير والأفواه تُكمّ بالإكراه؟ في الأزمات، على مجلس الوزراء أن يكون في انعقاد دائم، أما عندنا فيتمّ تعطيله ووقف عمله بسبب صراعات مدمّرة، عوض التضحية من أجل لبنان لكي يبقى. ما جدوى المراكز أمام مصير البلد؟ وما أهمية المقاعد الوزارية أمام وجع الناس؟ أحبّوا شعبكم بقدر محبتكم لأنفسكم، وارأفوا به رأفة بأنفسكم”.
”حزب الله”
واتهم نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم خلال احتفال تكريمي أقامه الحزب في الجنوب، السعودية، بأنّها “سببت مشكلة للبنان، عنوانها الاعتراض على تصريح لوزير الإعلام جورج قرداحي قبل أن يكون وزيراً”. ووصف موقفها بانّه ”موقف عدواني على لبنان”. وقال: “السعودية قامت بكل الإجراءات السلبية من دون سبب وجيه، وخلافاً لكل الأعراف الديبلوماسية، ومن دون احترام لوزارة الخارجية ولا لرئاسة الوزراء، ولا إعطاء علم، بل طرد السفير اللبناني في السعودية طرداً، وهذا كله يُعتبر في خانة الإساءة من السعودية للعلاقات مع لبنان. لبنان لم يرتكب شيئاً، وليس مسؤولاً عن شيء، وليس مطلوباً من المعتدى عليه ألا وهو لبنان، أن يتنازل ويتذللّ ويعتذر، بل المطلوب من المعتدي التي هي السعودية أن تتراجع وتعتذر للشعب اللبناني”. وأضاف: “نقول لبعض المسؤولين في لبنان، خففوا من الانبطاح أمام المتجبرين، لأنّ هؤلاء لا يرضيهم شيئاً، وإذا أعطيتموهم بذلّ، سيطلبون الأكثر، وهم ليسوا على حق، من هنا ندعو إلى معالجة موضوعية، والمسؤولية تقع على السعودية، وعلى كل حال فإنّ السعودية ليست راضية على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ولا على كل الحكومة، ولم تكن راضية على تشكيل الحكومة السابقة من الرئيس سعد الحريري، وبالتالي لا يرضيها شيئاً من كل هذا التشكيل القائم، لأن لديها رئيساً للحكومة كانت تريده في لبنان، ولم يتمكن من أن يصل إلى الرئاسة”.