‎الأغوار تشتعل تحت تصعيد اعتداءات العدو: مشهد متفجر ومستمر

 

*ميسم بوتاري- العربي المستقل*
بينما تتجه أنظار العالم إلى العدوان المستمر على غزة والانتهاكات المتكررة في مدن الضفة، تشهد منطقة الأغوار الفلسطينية تصعيدًا خطيرًا، يمرّ بصمت وسط تجاهل إعلامي واسع. هناك، في امتداد الأرض بين نهر الأردن وسلاسل الجبال، يعيش السكان تحت وطأة اعتداءات ممنهجة تسعى لتفريغ الأرض من أصحابها الأصليين.

اقتحام بردلا… بين التفتيش والإرهاب
فجر الجمعة، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي قرية بردلا في الأغوار الشمالية، ونفذت عمليات تفتيش واسعة للمنازل، تخللها فحص للهويات وترويع للأهالي. في الوقت ذاته، رفع المستوطنون الأعلام الإسرائيلية في خربة سمرا، وتجوّلوا بين الخيام، وكأنهم يعلنون سيطرة جديدة على أرض مغتصبة.
لكن المأساة لم تبدأ هناك. قبلها بيومين فقط، وتحديدًا مساء الأربعاء، تعرضت قرية بردلا لاعتداء وُصف بـ”الوحشي”، وفق ما أكده منسق حملة “أنقذوا الأغوار” رشيد خضيري في حديثه لموقع “العربي المستقل”. فقد أقدمت مجموعة من المستوطنين على تخريب خطوط المياه الزراعية، ما دفع المزارعين للخروج دفاعًا عن أراضيهم. غير أنهم وقعوا في كمين نصبه مستوطنون آخرون كانوا مسلحين، وأطلقوا النار بشكل مباشر، ما أدى إلى إصابة سبعة مواطنين بجراح، بينما وفر جنود الاحتلال الحماية الكاملة للمعتدين.
الاعتداء تصاعد لاحقًا إلى إحراق منزل مكوّن من خيام ومبنى إسمنتي، احترق فيه كل شيء: الأثاث، الأوراق، وحتى حظائر الأغنام لم تسلم من النيران.
وبحسب خضيري، فإن هذا الهجوم ليس معزولًا، بل يأتي ضمن سلسلة اعتداءات متصاعدة منذ أكثر من أسبوع، طالت البنية التحتية الزراعية في بردلا، التي باتت اليوم محاصرة بالكامل بجدار فصل عنصري، فيما نُصبت بؤرة استيطانية جديدة على مقربة منها، إلى جانب حاجز عسكري يعزلها عن مدينة طوباس.

 

دراغمة: نحن أمام حملة تهويد كاملة للأغوار
الخبير في شؤون الاستيطان عارف دراغمة أكد في تصريح خاص لـ”العربي المستقل” أن ما يجري في الأغوار هو “حرب تهويد صامتة”، تقودها جهات استيطانية بدعم مباشر من سلطات الاحتلال، وقال: “نحن نتحدث عن أكثر من 40 مستوطنة وبؤرة تستولي على الجزء الأكبر من الأغوار، في خطة ممنهجة لاقتلاع السكان وفرض واقع استيطاني جديد”.
دراغمة أوضح أن الاستيطان في المنطقة يتخذ أشكالًا متعددة، منها:
الاستيطان الرعوي: حيث يجلب المستوطنون ماشيتهم وينصبون خيامهم على أراضي الرعاة الفلسطينيين، ويطردونهم بالقوة.
الاستيطان السياحي: حيث سيطر المستوطنون على ينابيع المياه، مثل نبع الساكوت، عين الحلوة، وخربة الدير، ويواصلون اليوم محاولات للسيطرة على شلال العوجة عبر وضع بؤر جديدة ومنع الفلسطينيين من الوصول.
ووفق دراغمة، فإن الاحتلال يحاول فرض “السيطرة بالعلم”، حيث يتم رفع الأعلام الإسرائيلية على التلال والنقاط الحيوية، ثم يمنع الفلسطينيون من الاقتراب منها، ما يحول آلاف الدونمات إلى مناطق مغلقة لصالح المستوطنات.
بين الصمت الدولي وتمادي الاحتلال… من يحمي الأغوار؟
في ظل هذا الواقع، تبدو الأغوار وكأنها تُنتزع من خريطتها الأصلية بهدوء، في وقت لا يزال فيه الصوت الفلسطيني يصرخ في فراغ، دون استجابة من المؤسسات الدولية أو تحرك فعلي لوقف هذا الزحف الاستيطاني المتوحش.
يحاول المواطنون في الاغوار يوميا تقديم صور وفيديوهات للمحافل الحقوقية الدولية والانسانية وكذلك مؤسسات حقوق الإنسان العاملة في فلسطين توثق انتهاكات المستوطنين المتكررة، لرفع قضايا على الاحتلال، مع التأكيد على ان هذه الاراضي هي اراض فلسطينية بأوراق طابو رسمية، لكن كل مؤسسات الاحتلال تدعم المستوطنين في الاستيلاء على اراضي الفلسطينيين، مع الاشارة الى ان اكثر من 60 عائلة من مربي المواشي هجرت منطقة الاغوار هذا العام بسبب انتهاكات المستوطنين وتهديدهم للسكان في خيامهم خاصة في منطقة الاغوار الشمالية.
ما يجري في الأغوار ليس مجرد سلسلة اعتداءات متفرقة، بل هو جزء من استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تفريغ الأرض من أصحابها الأصليين، وتحويلها إلى حاضنة استيطانية مغلقة. أمام هذا المشهد، تبدو المؤسسات الدولية في موقع المتفرّج، بينما يتفاقم واقع التهجير القسري، وسط صمت عربي ودولي مدوٍّ.

 


سكان الأغوار لا يطلبون الكثير، فقط أن تُروى أراضيهم بمياههم، لا أن تُقطع. أن تُحمى بيوتهم لا أن تُحرق. أن تُرفع راياتهم، لا رايات غاصبيهم. ولكن، في ظل غياب المحاسبة الدولية، يظل السؤال مفتوحًا: من يحمي الأغوار… ومتى؟