ميسم بوتاري- العربي المستقل
بعد أكثر من عام على انتهاء ولايته، وفي خطوة غير متوقعة، على إيقاع التحقيقات المتواصلة في ملفات مالية معقدة، أوقف المدعي العام التمييزي بالإنابة، القاضي جمال الحجار، حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، وأمس الاربعاء وجّه القضاء اللبناني، إلى الحاكم السابق، تهم اختلاس الأموال العامة والإثراء غير المشروع وتبييض الأموال، بالاضافة الى المطالبة باستجوابه وإصدار مذكرة توقيف وجاهية بحقه سنداً لمواد الادعاء.
سلامة الى مصيره الجمعة او الاثنين
مصير رياض سلامة وما سيكون لتوقيفه من تداعيات وتأثير على الاقتصاد والقضاء والسياسية في لبنان، أسئلة طرحها “العربي المستقل” على رئيس جمعية الشعب يريد اصلاح النظام، والناشط المدني المحامي حسن بزي، الذي اشار في حديثه الى أن “رياض سلامة أُحيل من النيابة العامة التمييزية بعد التحقيق معه، الى النائب العام المالي الذي ادعى عليه بجنايات وجنح عديدة”، لافتا الى انه وخلال الساعات المقبلة سيعيّن قاضي التحقيق الأول بلال حلاوي جلسة قد تكون يوم غد الجمعة او الاثنين المقبل”، واضاف بزي في حديثه الى أنه و”عندما يحضر رياض سلامة الى الجلسة سيكون امام القاضي 3 خيارات يمكن اتخاذها:
إما اخلاء سبيله بسند اقامة وهو أمر مستبعد، وإما إصدار مذكرة توقيف وجاهية بحقه وهو ما يجب أن يحصل، وإما قد يحضر رياض سلامة الى الجلسة مرفق بتقرير طبي من لجنة طبية تكشف عليه خلال ايام توقيفه، تشير الى أن وضعه الصحي خطير وقد يتوفى في النظارة وذلك لإجبار القاضي الى اللجوء لقرار الإستعاضة عن التوقيف مقابل كفالة مالية او اللجوء الى تدابير احترازية أخرى مثل منع السفر او إجباره على الإقامة ضمن نطاق قاضي التحقيق، وأهمية قرار التوقيف هو خلق حالة من الخوف عند بعض رؤساء وأعضاء إدارات بعض مجالس المصارف من ان هناك عملية تطبيق للقانون وليس هناك اي عملية سياسية للتوقيف”.
وعن الآثار الاقتصادية اكد بزي لـ “العربي المستقل” انه ليس هناك اي اثار اقتصادية ستنتج عن هذا التوقيف، ولكن اهمية الموضوع هو في انه في حال صدور قرار بالتوقيف الوجاهي فإن ذلك مهم بالنسبة للثقة بالقضاء اللبناني وسيكون بمثابة إشارة للقضاء العالمي والمجتمع الدولي بأنه لا يجب إدراج لبنان على اللائحة الرمادية بسبب سوء سلوك القضاء اللبناني واعتباره مسيسا”، معربا عن أمله في أن “يكون التحقيق هذه المرة جديا وقانونيا وبعيدا من التسييس، ليكون هذا بوابة أولى في أول ملف يتم خلاله توقيف فاسد بهذا الحجم ليكون عبرة للآخرين ولتبدأ عملة الاصلاح ولخلق نوع من التنافس بين القضاة لتحريك الملفات النائمة.
*مراحل ما قبل التوقيف*
وعن تفاصيل ما حدث وما أدى الى توقيف سلامة، وعن المراحل التي مرت بها التحقيقات وصولا الى التوقيف، قال بزي: “نحن في جمعية الشعب يريد إصلاح النظام اجتمعنا في شهر شباط 2020 وفكرنا بملاحقة رياض سلامة بعد حصول انهيار الدولار بعد الثورة وقمنا بعمل دراسة قانونية كبيرة واتخذنا القرار وتقدمنا في آذار 2020 بأول دعوى بتاريخ القضاء اللبناني ضد حاكم مصرف لبنان حينها رياض سلامة امام محكمة جزاء بيروت”، مضيفا أنه و”بناءا على هذه الدعوى بعد 3 اشهر قمنا بعمل دراسة وأقنعنا رئيس دائرة التنفيذ في بيروت القاضي فيصل مكي بالقانون وصدر القرار بإلقاء الحجز الاحتياطي وكان اول قرار في تاريخ القضاء اللبناني بحجز احتياطي على أملاك حاكم مصرف لبنان ثم توضحت جرائم أخرى فتقدمنا عام 2021 بشكوى امام النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان امام القاضية غادة عون بشكوى شهيرة ضد رياض سلامة واتخذت الرئيسة قرارات بمنع التصرف بأملاكه ومنعه من السفر والحقناها بشكوى ضد المصارف وشكوى شهيرة رقمها 705/2021 التي تطال كل المصارف والتي على أثرها الرئيسة غادة عون منعت من السفر، رؤساء مصارف ووضعت اشارة منع تصرف على عقارات هذه المصارف والعقارات الشخصية لرؤساء مجالس الادارة والاعضاء النافذين” .
رئيس الجمعية التي كان اعضاؤها اول المدعين على رياض سلامة بجرائم سرقة واختلاس اموال، المحامي بزي، اشار الى انه و”أثناء البت بهذه الدعاوى والاستمرار بهذا العمل البطولي بدأت شركة “الفاريز” تدقيقا جنائيا جزئيا بسبب عدم تسليمها جميع الداتا التي كانت بحاجتها، وقدمت الشركة تقريرا اصبح موضع اطلاع من كل الجهات الرسمية وغير الرسمية وتم نشره وقمنا بترجمته واتضح ان هناك عمليات وهمية مع شركة اسمها “اوبتيموم” درسنا ملفها وتقدمنا في أيلول 2023 بشكوى امام النيابة العامة الاستئنافية بجبل لبنان للرئيسة غادة عون”، لافتا الى انه و”بعد التنازل عن الصلاحيات بينها وبين النيابة العامة التمييزية ورفضها تسليم الملف للنيابة العامة التميزية، فتحت النيابة التميزية الملف مجددا بصفة خاصة لها بشكل مباشر من قِبلها وكنّا قد تقدمنا بإخبار بهذا الاطار”.
واضاف: “المهم كان، دور النيابة العامة التميزية من بعد رفض الرئيسة غادة عون تسليم الملف وتمسكها به بناءا للأحكام القانونية أعيد فتح الملف، وجرت محاصرة الرئيسة غادة عون إنطلاقا من عدم التجاوب مع القوى الأمنية والموظفين ومصرف لبنان اوقف تسليمها الداتا المطلوبة وسلمها للرئيس الحجار وصدر القرار أمس.”
*قرار قضائي جريء.. يجنب لبنان اللائحة الرمادية *
وللوقوف حول ما اذا ممكن ان يكون لتوقيف سلامة اي اثر على الاقتصاد، اكد الباحث السياسي والاقتصادي الدكتور نبيل سرور لـ “العربي المستقل”، ان عملية توقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، تأتي في اجواء سياسية واقتصادية صعبة جدا في لبنان، تتمثل بفقدان المودعين لحقوقهم، والتراجع الكبير لسعر صرف الليرة، والغلاء الفاحش بأسعار السلع، والتشكيك بالجانب القضائي ودور القضاء بمحاسبة الفاسدين والنخالفين للقوانين.
واضاف: “كان هناك شعور لدى حاكمية مصرف لبنان الجديدة المتمثلة بوسيم منصوري الذي اصبح حاكما
بالانابة، بأن مصرف لبنان لا يقوم بواجبه في هذا المجال، وأن هناك تقاعس من قبل السلطة التشريعية في ادارة الشأن المالي ومحاسبة الفاسدين، بمعنى ان القضاء لا يقوم بواجبه من جهة اتخاذ الاجراءات اللازمة بحق الفاسدين، واتى التلويح بوضع لبنان على القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي الدولية FATF، وكان تهديدا جديا وكان من الممكن ان يوضع لبنان على تلك اللائحة، وما دفع منصوري للتحرك وتزويد القضاء بمعطيات، ليعلن استعداده تزويد القضاء بأي مساعدة سواء مالية او بيانات او كشوفات او وثائق كان من شأنها المساعدة بتوقيف رياض سلامة”.
وقال: “ثمن عدم ادراج لبنان على القائمة الرمادية هو توقيف رياض سلامة”، معربا عن اعتقاده ان هذا “قرارا جريئا من قاض جريء وهي خطوة في الطريق الصحيح ولكن ما زال ينقص لبنان الكثير، من الشفافية على المستوى المالي والبيانات المالية السليمة وتطبيق الحوكمة بشكل جدي وسليم في مصرف لبنان، كما وينقص لبنان ايضا كخطوة اساسية ملاحقة جدية ومكافحة لتبييض الاموال ورفع السرية المصرفية، ومن الممكن في حال حصلت هذه الخطوات ان تضع لبنان على الطريق الصحيح لعدم وصول لبنان ووضعه على اللائحة الرمادية”.
وأضاف: “طبعا يجب ان يكون هناك مؤازرة وتنسيق مع القضاء، والخلل في الجسم القضائي يجب ان يردم بهذا المجال، والمعايير القضائية في لبنان يجب ان تكون شفافة وبالتالي اي خطأ واستمرار لهذا الوضع السلبي في لبنان وعدم الشفافية قد يؤدي لاحقا الى وضع لبنان على اللائحة الرمادية وتطبيق المعايير الدولية على لبنان وجعله معزولا، مؤكدا ان توقيف سلامة خطوة في الاتجاه الصحيح وقرار قضائي جريء، يجب ان يكون هناك تعاون دائم بين المصرف المركزي كجهة معنية بالحفاظ على الامور المالية والتنسيق مع السلطة القضائية وهو ما يمكن ان يؤسس لاستقرار نقدي ولسياسات مالية سليمة وهو بداية محاسبة يجب ان تشمل كل الفاسدين وكل الذين اساؤوا للبلد على المستوين المالي والاقتصادي وعلى مستوى السياسات النقدية وهو ما ادى الى هذه الفجوة الكبيرة بالموضوع الاقتصادي وبمواضيع الدعم التي انفقت عليها ملايين الدولارات من دون ان يكون لها اي مردود اقتصادي سليم على الدورة الاقتصادية”، مؤكدا انه يجب ان تترافق الاصلاحات القضائية والمالية مع اصلاح للادارة في لبنان بمعنى تصويب عمل الادارات العامة ومنع تشابك الصلاحيات والتزام الادارات بالانظمة والقوانين المرعية الاجراء ومنع التسيب والترهل الاداري.
اذا نحن امام ايام حاسمة تضع القضاء اللبناني امام امتحان حقيقي، نتيجته اما ستؤسس للبنان مؤسساتي قضائي جديد، واما فساد متواصل ومزيد من الغرق.