ميسم بوتاري- العربي المستقل
“متنا الجوع”.. “راح البيت وبيت الأهل وهُدمت المدينة.. ما ضل شي نستعجل عليه”.. “بابا، فش غاتو… هات اي حاجة و تعال اعملي عيد ميلاد”… صرخات وجع من قلب غزة الصامدة منذ ما يزيد عن ثمانية أشهر من العدوان الصهيوني على القطاع، عدوان ما ترك سبيلا للحياة الا وحاول القضاء عليه. في غزّة أوجاع وصور مغايرة عن تلك التي توثّقها العدسات، وتنشرعلى وسائل التواصل الاجتماعي. أوجاع لا تجسّد الوضع، وأعجز من العبور الى الأعماق، وأعجز من تسطير حكاية شعب ما استسلم رغم تكالب العالم عليه.
على وقع دويّ الغارات، وانفجارات القذائف وشراراتها وأزيز الرصاص والطائرات المتعددة الأشكال والألوان التي لا تفارق سماء غزة وأصوات الإسعافات التي تقل شهداء وجرحى، صراخ وبكاء من هنا او هناك، دموع فقد ابناء او إخوة او حبيب اوعزيز او صديق. لا تسكت سمفونيات الأوجاع والآلام، فالحياة داخل خيم النزوح فصول عذابات متواصلة.
يبدأ صباح الغزي ّباكراً مع أول خيوط الشمس الحارة، وما يرافقها من رطوبة تشعل فناء الخيمة القماشية او غرف النايلون التي صنعت، بما سمح المتوفر، وإمكانيات قاطنيها.
الناس في غزة، اصبحوا متشابهين في اللون والوجه، وارتسمت خيوط المعاناة على وجوههم و أصاب الضعف اجسادهم . غريبون عن بعضهم، اجتمعوا في ساحة من القدَر، يجمعهم القهر، والجلد، وارتقابهم بريد الشمس، عله يحمل ما هو مختلف، آذنا بموت الوحش او ارتداعه، فيعودون الى ديارهم، او الى ما تبقى منها.
هنا حكايات وقصص تحمل معنى الشوق الحقيقي و الحب… ففي إحدى الخيم، أب يطمئن على زوجة وإبن وابنة، لم يرهم منذ ايام او اسابيع وأشهر، وفي مكان ليس ببعيد، مشتاق يتواصل مع والدته أو أبيه او إخوانه و أخواته، وآخر يسأل عن ابناء حيّه و حارته الذين انقطعت اخبارهم و لم تعد تصل رسائلهم او حتى مكان تنقلهم المستمر .
جفاف الوجوه، ترطبه بعض الدموع المنهمرة، أما من حبسوها، فيتسحيل تصلب مياه المقل جمرا، يلهب العين ومحيطها.
على بعد اوتاد قليلة، رجل، أثقل الدمع خوابي عينيه، ينفث دخان سجائره، ويدفع عنوة الكلام خارج شفتيه، يخبرني ابني الذي ارسلته الى مكان، لافتراضي انه اكثر أمنا : ” بابا اليوم عيد ميلادي بعرف فش غاتوه بس هات اي حاجة و تعال شوفني”
حكايات لن تكفي آلاف السطور.. وقصص لن تستطيع اختزالها صفحات من الكتب.. ولا ساعات النقل المباشر.. لتجسد حالة شعب صامد يقف خلف المقاومة مجددا الدعم لها في كل مرة رغم كل غصات القلوب.. ليؤكد للعالم من جديد ان لا خيار امام بطولات ابناء غزة سوى النصر أو النصر.