إبراهيم درويش- العربي المستقل
ثقيلة هذه الأيام، بما تلقي من أوزار فوق الأكتاف، وبما تخلّف من تشوّهات، وندبات تحفر بوحشية في القلوب والأذهان.
تلتف أمعاء الأطفال الجوعى، سلاسل استغاثات حول أعناقنا، وينخر أنين المقهورين آذاننا، في وقت تتكفل صور القتل والإصابات والدمار والخراب، وهول ما يرتكب في حجب النظر وفي استشراف غد براق، بعيدا من الدم المتناثر على وجوهنا.
قد مرّت أشهر عدةّ على آخر احتفال حضرته وقد آثرت على نفسي، منذ بدء حمام الدم في فلسطين المحتلة، أن لا البي اي دعوة الى احتفالات فرح، متجنباً أن أغرس طوعا، أو من دون قصد، سكينا يفتح جرحاً في انسانيتي، أعلم علم اليقين، أنه سيكون صعب الالتئام.
في عمق الضاحية الجنوبية لبيروت، ضرب الربيع موعدا مبكرا، في وجه سواد الأيام، ومن ثانوية البرج الدولية، اشرقت ليل أمس، شمس دافئة الاشعة، دغدغت المشاعر المتوجّسة، من آثار أزمات عصفت وتواصل العصف في مجتمعنا، من ضائقة اقتصادية، الى الأوزار التي القتها كورونا على المسار التعليمي، وصولا الى مطامع العدو في المنطقة، وما يرتكب في قطاع غزة، وجنوبي لبنان، الى حالة اللا إستقرار، بما تلقي من أعباء على الأهل والابناء، وعلى الجسم التعليمي.
تحت شعار “أسرة سليمة… وطن سليم”، وبرعاية وزير الثقافة القاضي وسام محمد مرتضى احيت ثانوية البرج الدولية مساء الخميس، مهرجان الربيع السنوي السابع والعشرين، مكرمّة الفنانة نادين خوري، والشاعر نزار فرنسيس، والمربيين الأستاذين حسن عمار، وشريف سليم.
بعد كلمة الافتتاح، لمدير الثانوية الأستاذ مفيد خليل، الذي اشار الى “إصرار المدرسة على إحياء مهرجانها السنوي، تأكيدا على إرادة الحياة، وإحباط المشاريع المعادية، في ظل التحديات التي تهدد أجيال المستقبل، كما العملية التعليمية”، وكلمة الوزير المرتضى، الذي اثنى على مسار المدرسة ومسيرتها الاكاديمية الناجحة، وهو ما تقاطع مع كلمة المكرّمين، الذين اكدوا بدورههم على “مواصلة التصدي، لكل المحاولة الهادفة الى تشويه، حقنا وحق ابنائنا بمستقبل مشرق”، سكتت الحروف وارتفع صوت موسيقى رافقت صداحات حناجر الاطفال، من “يا منموت كلنا وبينتهي الوطن ويا ما نكون رجال وبيبقى الوطن” الى “أعطونا الطفولة”، غنّى الاطفال بحب، وبشغف وحماس، وبانتماء وباندفاع لامس قلوب الحاضرين، واستفز الدمع في عيونهم.
هناك على خشبة المسرح، تفننت بذور الامل بتقديم مسرحية وفنية هادفة، وجريئة، مسلطة الضوء على آفات عدة، تهدد مجتمعاتنا، ولا سيما تلك التي تؤثر على علاقة الأسرة فيما بينها، ما ينعكس مباشرة على العملية التعليمية.
ساعات مرت، حملت الكثير من المشاعر المتداخلة، ولكنها افضت الى نتيجة، تشعر المرء بمسؤولية كبيرة في حال تخلّفه عن لحظها وخطّها:
لا خوف على التعليم في لبنان، ما دام هناك مدارس، لا زالت تولي التعليم، بعداً ثقافيا، وتوجيهيا، ووطنيا، وتقرن الشعار بالممارسة، في ليلة، فيها فائض من الأمل بان الجيل الجديد، لا زال بأيد أمينة، وان اليد التي تتصدى، تعطي زخما لليد الاخرى للقبض على القلم، وللتمسك بالثوابت والقيم، نحو غد، سيرسمه أطفالنا بايديهم، شاء من شاء، وابى من ابى.