تنتزع المقاومة من كيان الاحتلال ورقة العبث العشوائي، وترغمه على التفكير جيدا بأهدافه وبحجمها، على الرغم من البربوباغاندا السوداء التي يحاول الترويج لها، وتدعمها وسائل إعلام موجهة، وجهات وكيانات وأفراد، بعضها مستفيد، وبعضها يحاول في توقيت خاطئ تصفية حسابات وتحقيق مكتسبات، وهذا بطبيعة الحال ما لا ينسحب على وطنيين صادقين، يتوجسون من الحرب ويعبّرون عن هواجسهم ومخاوفهم بصراحة، وبحريّة.
وفي مقاربة موضوعيّة، للتطورات على الساحة الشمالية لفلسطين المحتلة، لا متغيّرات يمكن لكيان الاحتلال فرضها، ما دامت الساحة مفتوحة على التعاطي المتماثل فيما يتعلّق بنوعية الأهداف، وقدرة المقاومة على إيلام العدو، وعدم وجود رؤية واضحة لديه حول حجم ما تمتلكه من أسلحة عمدت المقاومة الى الاستحصال عليها، والاستفادة من تطوير بعضها، بما يقتضي ويتناسب مع نمط المواجهة، استنادا الى تجربة طويلة من الدراسة والاعداد والتصدي لهذا العدو يوم كانت بعديد أقل، وبأسلحة اكثر تواضعا، وبتجهيزات أقل، ولا تستند الى محور مساند بالفعل والمبادرة.
وفي معرض الحديث عن التوازن الردعي، ومن دون ان نقفز، أو أن نحاول التغافل عن قدرات الكيان التدميرية، وإمكانياته الاستخباراتية والتجسسية، وقدرته على توظيف التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، في التصويب على نقاط ضعف في بيئة المقاومة، فضلا عما يسخّر لهذا الكيان، من دعم وجسور جوية وبرية مفتوحة، الا أن كل هذا لا يمكن أن يكفل له، في الحد الأدنى، الحديث عن أي افق لإحداث تغيير في الواقع الميداني، مع يقينه بأن لا شيء يمكن أن يمنع صواريخ المقاومة من الوصول الى مستوطناته وتضحياته، وهذا يقترن بسياقين:
– السياق الأول: تجربة مريرة للكيان من المواجهة مع الساحة اللبنانية انتهت بانسحابه من لبنان في العام 2000، وهزيمة تموز 2006، التي أرغمته على ايقاف الحرب، بعد فشله في فرض واقع جديد، فيما المقاومة خرجت بتنظيم اكبر، وإحتضان شعبي، وجهوزية أعلى.
– السياق الثاني: حاجة الكيان، حتى تاريخه الى ما يقارب الخمسة أشهر، بحثا عن إنجاز عسكري منشود على ارض غزة، لم يتظهر الا بتسوية قطاع محاصر بالأرض، وأعداد كبيرة من الشهداء جلهم من الأطفال، فضلا عن تدمير مظاهر الحياة كافة، ما يضع الكيان أمام معركة لا تقل خطورة عليه من المعركة العسكرية، وسيكون عليه البحث مطولا عن كيفية التصدي لها، ومحاولة محوها من أذهان الشعوب الاوروبية قبل العربية، ومن وجدان جيل بأكمله كان يقرأ عن إرتكابات الكيان، لكن شاهدها اليوم، مباشرة، وحفرت في أذهانه.
وفي مؤشرات على عدم مقدرة الكيان الاسرائيلي، على دحرجة الامور بما يتناسب مع مشروعه، ما قد يفقده آخر أوراق التوت، ويظهر حجم المتغير في المواجهة، يبدو جليا مسارعة الناطق باسم جيشه لتأطير الاستهداف، ووضعه في خانة الرد على استهدافات المقاومة، ولا سيما النوعية منها.
وهنا لا بد من التذكير انه ليس جديدا على الكيان ان يقصف اهدافا في لبنان، انما ما يجب البناء عليه، هو سعيه الحثيث للعب ضمن الهوامش، وعلى حافة التدحرج، الامر الذي ما كان يعيره اي اهمية في السابق، قبل ان يقوى عود المقاومة، وتصبح المواجهة معها، مغامرة، غير محسوبة، وغير واضحة الافق والمسار والمعالم، وهذا ما يعيدنا الى الاوراق التكتيكية التي تدير بها المقاومة هذه المعركة، وهذا ما يعيد الى الاذهان، العبارة التي ذكرها امين عام حزب الله في حديثه التلفزيوني حول الغموض البناء، وهذا ما يجعل حسابات الكيان الاسرائيلي، اقل تهورا، واقل جموحا نحو الجنون على الساحة اللبنانية.