وزير التربية تفاجأ بالقرار! بعد البريفيه… هل تلغى إمتحانات الثانويّة العامة؟

تحقيق: إيمان محمد مرعي _العربي المستقلّ

في خطوة أثارت جدلا واسعاً في لبنان، أعلن وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي يوم الأربعاء 21 حزيران إلغاء شهادة “البريفية ” وكان القرار مفاجئاً، بعد طمأنة الحلبي المتكررة للطلاب وتأكيده على إجراء الامتحانات في موعدها المحدد فما هي أسباب هذا الإلغاء؟ وكيف ستعالج الأزمة الناتجة عنه؟

ما بين الأهمية والتراجع

أكّدت الدراسة التي أجرتها الرئيسة السابقة للمركز التربوي للبحوث والإنماء ، الدكتورة ندى عويجان عام 2018 على أهمية الإبقاء على الشهادة المتوسطة “البريفية ” وعدم صوابيّة إلغائها لما تمثله ، كونها مفصلاً محوريا ًفي مسار التعليم ، وتصبّ في صلب الهيكليّة التعليميّة العامّة الصادرة عن مناهج 1997 ، والتي ما زال العمل مستمراً فيها ، فكانت معيار لقياس مستوى القراءة والكتابة والحساب، يتمّ بواسطتها تصفية الطلاب بعد مرور ٩ سنوات على رحلتهم المدرسيّة ، كما أنّها تعتبر محطّة حاسمة تحدّد مواصلة الطلاب التعليم الأكاديمي أو التحوّل إلى التّعليم المهني للإنخراط باكرا في سوق العمل، لاسيّما أنّها شهادة إلزاميّة مطلوبة للحصول على وظيفة في بعض المراكز في المؤسسات والإدارات العامّة، الجمارك والسلك العسكري.

مناضلة طلاب وكفاح وزارة … من دون جدوى !!

بعد مرور عامٍ قاسٍ على الطلاب اللبنانيين؛ خصوصا في قطاع التعليم الرسمي نتيجة الإضرابات في ظل أزمة الثّقة الحاصلة بين روابط المعلّمين ووزير التربية، إضافة إلى الوضع الاقتصادي المتأزّم والمتدهور، كان لا بدّ لنا من التقصّي والمتابعة لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور.
تواصل موقع “العربي المستقل ” مع أحد المتابعين المعنيين بالملف التربوي وهو مصدر مطّلع في الوزارة، للوقوف عند خلفية إلغاء الامتحانات، وأكد المصدر على أنّ “القرار لم يصدر عن وزير التربية بل صدر عن مجلس الوزراء، والوزير تفاجأ كما الطلاب، وقد بدا على وجهه التجّهم والاتّعاظ ، فهو كان قد صرّح مساء الثلاثاء الماضي بأنّه أتمّ تجهيز الاستعدادات اللوجستية والمادية المطلوبة كافة، حتى أنه قد أمنّ المراقبين ولكن الضغط الذي مارسه عليه بعض الوزراء وخصوصا وزير الداخليّة في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي، بذريعة عدم القدرة على تأمين الحماية لمراكز الامتحانات وعملية نقلهم والمراقبة، أوصد الباب أمام أي فرصة للتوصّل الى حل لإجراء الإمتحانات”.
وقد اعتبر المصدر: ” أن هذا القرار المفاجئ هو قرار شعبوي وليس تربوياً، فلا نستطيع أن نلغي الامتحانات قبل موعدها بأسبوع ، بينما كان يجب دراسة القرار في بداية العام الدراسي واعتماد إجراءات وخطوات مدروسة، كالتشديد على الامتحانات المدرسيّة ومراقبة بعض المدارس الخاصة التي يتفنن بعضها بالالتفاف على القوانين، وترفيع غير الجديرين”.

شتات الإلغاء في ظل غياب البديل …

أكّد المصدر أنّ “هذا الإلغاء سيؤثّر على أهميّة الشهادة، ما يدلّ على أنّ الواقع التربوي أصبح واقعا في الحضيض، بعد الإنهاك الذي أصابه منذ أزمة كورونا، مروراً بالأزمة الاقتصاديّة والماليّة الصعبة، وصولاً إلى الإضرابات، فأصبحنا نعاني من مشكلة الفاقد التعليمي الرسمي، وهو يحتاج أقلّه إلى أربع سنوات حتى يصل إلى المتوسط المطلوب لحل مشكلة الفاقد ويبقى عاجزاً عن حلّ المشكلة التربويّة ككل”.
ولفت المصدر الى أن “النقاشات لا زالت تدور في أروقة الوزارة حول الاعتماد على إفادات الترفيع لكل الطلاب، وجدليّة عدم المساواة بين التلميذ الصالح والتلميذ غير المجدّ، أو منح الإفادات المدرسيّة والتي أيضا ستكون غير عادلة لجهة عدم أخذ الكفايات المطلوبة من المنهاج بسبب الإضرابات الطويلة”. وفي السياق عينه، لفت المصدر الى وجود “إشكالية حول مصير الطلبات الحرّة، وهذا نقاش يحتاج إلى وقت”، متوقّعا “الحصول على قرار نهائي بعد عطلة عيد الأضحى المبارك ليتّضح المسار التربوي”.

مجرد إشاعات… أم معلومات مسّربة ؟!

فور إعلان إلغاء الإمتحانات كثُر الكلام عن عدم المقدرة على اتمام الإمتحانات للثانويّة العامّة للأسباب ذاتها، أو لإحتمال إقدام رابطة التّعليم الأساسي، التي عبّرت عن استيائها من الإلغاء كونها تُعتبر العُمدة الأساس في المراقبة للإمتحانات الثانويّة العامّة ؛ واتّخاذ قرار بمقاطعة الإمتحانات ، وأعمال المراقبة، ولكن سرعان ما تبددّت هذه المخاوف، وساد جوّ من الاطمئنان بسبب المساعي الإيجابية التي قام بها وزير التربية من حوافز ماديّة تشجّع على أن يكونوا الأساتذة أكثر تفهّماً لدعم القطاع الثانوي . وهذه الحوافز هي:
٢٦$ يومية رئيس المركز
٢٤$ يومية المراقب العام
٢٢$يومية الأستاذ المراقب
بالإضافة إلى ٤٠٠ الف ل.ل عن كل يوم مراقبة و٤٥٠ الف ل.ل بدل نقل.
علما أن هناك 280 مركزا للامتحانات مُؤَمنين بأعداد المراقبين المناسبة. ولكن حتى الآن لا شيء مؤكداً بإنتظار أن تعقد رابطة معلمي التعليم الرسمي مؤتمرا صحفيا لشرح موقفها من إلغاء إمتحانات الشهادة المتوسطة في مركزها خلف قصر الأونيسكو بتاريخ 26-6- 2023 عند الساعة 11,30 ظهراً، عندها فقط يتم تأكيد أو نفي هذه الشائعات .

الواقع كما هو…

لا يمكننا الحديث عن مشاكل مرحلة تعليميّة معينة، من دون تناول المشاكل العامة التي ترافق القطاع الرسمي بكافة مراحله، وقد لفت المصدر الى أن : “التعليم الرسمي يًشهد له بأنّه ينافس التعليم الخاص والدليل هو الحصول على المراكز الأولى وفقاً لنتائج الامتحانات الرسمية من العام الماضي ، وهذا يدّل على قوّة التّعليم الرسمي وخصوصا الثّانوي ولكن لا يمكن تجاهل ما يعانيه القطاع من نقص في التّجهيزات الجديدة لمواكبة التّحديثات، وتطوير وتدريب الأساتذة على إستخدام التكنولوجيا الجديدة خصوصاً أننا بتنا في عصر الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى وجوب استخدام أساليب جديدة بالتّعليم، واعتماد طرق تقييم جديدة ومناسبة”.
وأفاد المصدر،” حاليا هناك ورشة كبيرة في المركز الوطني للبحوث والإنماء لبناء مناهج تعليم جديدة قبل التعليم الجامعي في مسعى للحصول على نظام تقييم جديد يبيّن الثغرات الموجودة بهدف معالجتها، والنهوض بالنظام التربوي من جديد ، فلبنان معروف بأنّه محطّة الدول الشرقيّة بقطاعيه، الصّحي والتربوي، وإذا تقلص دورهما فقد لبنان ميزته في هذه المنطقة ” .
الحل ليس بالمراوغة..
لا يمكننا المراوحة في هذه الحلقة المفرغة أكثر، فالحلول التي أوضحها المصدر تكمن في أبعادها الثلاثة ملقاة على عاتق:
– وزارة التربية التي تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية
– الأساتذة والهيئة التعليميّة من جهة
– الأهالي من جهة ثالثة، والذين يجب عليهم أن يطرحوا المخاوف والهواجس والتحديات والإمكانات المتاحة على طاولة مستديرة حتى نستطيع أن نصوّب الأمور، ونضع القطار على السكّة الصحيحة، على أمل النجاح في بدء عملية التطوير أو النهوض بالتّعليم الرسمي من كبوته بأقل الخسائر، والجدير بالذّكر أن الرؤية المرتبطة بمصير الأعوام المقبلة، مقترنة بما يقرّره وزير التربية في الأيّام المقبلة”.