من صنعاء الى بيروت… هل بدأت عمليّة التبريد؟

إبراهيم درويش_ العربي المستقل

يدرك جميع الذين يرفعون شعارات الحياد في لبنان، بأنّ الأمر أشبه الى فصل الرأس عن الجسد، فليس هناك من لا يعلم، الا الراسخون في الجهل، بأن هذا البلد عندما تم صياغة نظام الحكم الحالي فيه، بني على طرفي خشبة، فوق حجر اسمنتي، كي لا يستقيم الا بتوافق طرفي اللعبة، على اختلاف عددهم، وبمعزل عن قدرة أحدهم على الغلبة.

لا متغيّرات في قواعد اللعبة الداخلية، لا في التحالفات ولا في الاصطفافات، ولا حتى في من ينتظرون ضبط عقارب ساعاتهم على فك تحالف حزب الله- الوطني الحري، بمعزل عن جلسة تعقد من هنا، وتصريحات مرتفعة السقف من هناك.على الامور أن تسير بما هو تيسّر، الى حين تبلور المشهد الخارجي.

لا يحتمل العالم حريقين كبيرين في العالم شرقا وغربا، وهو ما يتناقض مع معايير اللعبة الدولية التي وحتى في أعتى الصراعات وأكثرها جموحا وجنونا، تبقى محكومة بتوازنات، وخطوط حمراء، يقاربها البعض حدّ عدم التجاوز.

اليوم وحتى إشعار آخر ساحة الصراع والكباش الدولي، هي ساحة المعركة الدائرة بين روسيا واوكرانيا، والممتدة آثارها، بعيدا جدا من مساحة الصراع المباشر.

الأمر يشبه إتفاقا ضمنيا بين أطراف الاشتباك، للمواجهة فوق رقعة شطرنج كبيرة ببيادق حيّة. ساحة إقتتال تمّ اختيارها، شاء القدر والظروف والمتغيّرات ألا تكون في ميدان الشرق الأوسط هذه المرّة، لتعكس متغيّرات في المنطقة، إن لم ننجح بوصفها بالايجابية، الا أنه يمكن القول فيها انها جاءت أقل شرا مما سيقت اليه الأمور سابقا، وهذا ما بدت أولى تجلياته في اليمن، لا سيما بعد أن قررت صنعاء الاستفادة من الظرف الدولي، وإشهار رفض تمديد الهدنة التي وصفتها بهدنة “اللا حرب واللا سلم” تستفيد منها السعودية، فيما يدفع اليمن فاتورة الحصار، و وفاتورة هذه الحرب، فكان البديل المتاح، إما تطوير إتّفاق الهدنة التي دام عمرها ستة اشهر، بما يلبي مطالب صنعاء، من دفع رواتب، وزيادة عدد الرحلات الى مطار صنعاء، وتخفيف وطأة الحصار عن اليمنيين، وإما فتح بوابة المواجهة مجددا، وهو ما أكدته صنعاء في اكثر من مناسبة، وفي أكثر من خطاب، وفي جملة من الرسائل المباشرة وغير المباشرة، وفي عرضين أحدهما عسكري والثاني أمني بما اشتملا من عديد وعتاد، أرادت صنعاء عبرهما إيصال جملة من الرسائل، بأن أي مواجهة جديدة، قد يكتب لها تاريخ بداية، ولكنها تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات والخيارات.

المساعي العُمانية التي ما كانت لتحصل من دون ضوء أخضر سعودي، وسرعان ما حملت اجواء ايجابية، لا سيما في ظل المعلومات التي تحدثت عن زيارات متبادلة بين وفود من البلدين أحيطت بسرية تامة، سعيا نحو إنضاج المساعي، التي سرعان ما اعقبت بحراك اممي، عزز من الإيجابية، ولا سيما بعد لقاء المبعوث الاممي هانس غروندبرغ مع القائم بأعمال اللجنة الاقتصادية العليا، محافظ البنك المركزي اليمني هاشم إسماعيل علي في مقر البنك المركزي في صنعاء.

معطيات، لا بد من وضعها في سياق جردة الحسابات السعودية، عسكريا واستراتيجيا، بعد ثماني سنوات من عمر الحرب، التي لم تحمل حسما، ولم تق السعودية، الساعية الى تقليص حجم الأزمات إقليميا، وتحقيق إستفادة أكبر، من الحرب الأوروبية_الروسية، إقتصاديا، وسياسيا، من الإستهدافات اليمنية، عبر الصواريخ والطائرات المسيرة، بما حملت وقد تحمل من ارتدادات، على الأمن الإقتصادي بوجه خاص.

تزامنا مع الرياح والسحب المتأتية من الخليج، تُرتقب الخواتيم والتفاصيل وصحوة الشيطان، بما قد يحمل ذلك من إنعكاسات على لبنان، لانجاز عملية التبريد التي طالت إحدى أكثر الجبهات اشتعالا في المنطقة، من دون أن يعني ذلك بالضرورة، العبور بهذا البلد الى الضفة الآمنة، وسط هذا التشعب في الملفات والاستحقات، وتنوّع وتعدد الأيادي اللاعبة اقليميا ودوليا، انما فيما لو انحدرت الامور الى تفجر الوضع، كان على الجميع التجهز الى التقاط الشرارات المتطايرة في أكثر من اتجاه إقليمي.