*إبراهيم درويش- العربي المستقل*
تتواصل عمليّة إهدار الوقت، بحثاً عن إسم يتمّ الإتّفاق عليه ليكون رئيساً لجمهوريّة لبنان، وما بين مرشّح الثامن من آذار، ومرشّح الرابع عشر من آذار، والمرشّح المدعوم عربيّاً، والمدعوم فرنسيّاً، والمدعوم أميركيّا، يقف الجميع مكتوفي الأيدي بانتظار كلمة سرّ، تعبر في أكثر من رواق، قبل أن تتحوّل جملة مفيدة في مجلس النواب:
” انتخاب… رئيسا للجمهورية ب … صوتا”.
في ختام عهد الرئيس ميشال عون فُتح الحديث واسعا حول دور وصلاحيّات رئيس الجمهورية، وبمعزل من تباينات التقييمات بين حلفاء رئيس الجمهورية وخصومه وحتى أعدائه، حول دور العهد في الازمة، فالمعادلة الأكثر ثباتا في هذا البلد، أنّ لا أحد يملك القدرة على إدارة البلد منفردا، وهذا ما يعمّق هوّة الاتفاق، وأن تلاقي فريقين أو أكثر حول رفض أمر ما، يجعله السير به، أمرا صعباً ان لم نكن مستحيلاً وهو ما يعكس نظام الديموقراطية التوافقية، التي تشكل قاعدة للحكم في لبنان.
منذ ما بعد الشابع عشر من تشرين، والبلد في حال من الشلل التام والمراوحة، لم يبادر احد الى اتخاذ اي اجراء قد يعل الارتطام أقل وقعا، وفي ما خلا بعض الحلول الترقيعية، رجل واحد يخرج من بين كل هذا الركام، يخرق الجمود القائم، ويفرض تغييرات وتأرجات في الوضع الاقتصادي.
يثبت رياض سلامة يوما بعد يوما، أنّه الحاكم الاول والأوحد في هذا البلد، يثبت أنّه يستطيع عدم التدخل في السوق، والإفساح في المجال أمام المضاربين ليرفعوا سعر صرف الدولار، وبتعميم واحد يستطيع خفضه.
يتحكم سلامة بسعر الرغيف والدواء والسلع الغذائية والمحروقات، وقد نجح تعميمه في خفض سعرها ما يلامس ال 150000 للصفيحة.
يبيع رياض سلامة الدولار، يسلّم للصيارفة صباحا بكوتا محددة، يشتري مساء، يجفف السوق، يضخّ مرة عملة لبنانية، مرة دولار، واحيانا يترك السوق على هواه، يبني سلامة دورة قتصادية مغلقة متكاملة على قاعدة “من العب الى الجيبة”.
يتفنن سلامة في أدلجة ذاكرة اللبنانيين، كثيرون ممن غرقوا في تزاحم الملفات اليومية، تبدلت رؤيتهم، وباتوا يتحدثون عن دهاء الرجل، وقدرته على جعل الوضع اقل سوءا، هؤلاء تشبثوا برواية ان سلامة كان موظفا، ينفذ ما يطلب منه، ويسقط عنه اي دور او مسؤولية، في ضلوعه وشركائه من آل السياسة بالإطاحة بأموال المودعين.
كان أحد المسنين يجيب الديانين بفكاهة عند سؤاله عن مصير اموالهم التي اقترضها، بانه حاول الحفاظ عليها، لكن ” عمل فيهم مشروع صيصان وماتوا”، عبارة نجح آل المال في جعلها نظرية إقتصادية قائمة في لبنان، فجوقة التلميع والتبييض تتكفل في التنقل بين الشاشات لتلمّع صورة الحاكم، الى حد تصل الوقاحة بالبعض، ليصنف المودعين على انهم قامروا باموالهم، وخسروها”، هؤلاء تؤكد المعلومات انهم معروفون بالاسم والكوتا المخصصة لهم، منذ بدء عملية تعويم سلامة ماليا وسياسيا.
في خلاصة الامر، ما دام في الحرب يستحيل تغيير الضباط، وما دام رحيل سلامة قد يزيد الامر سوءا، وما دام لا أحد يتدخل في ما يفعل، ولا احد يملك القدرة على ثنيه عما يفعل، سواء تم انتخاب رئيس للجمهورية ام لم ينتخب، وسواء تم تشكيل حكومة أم لا، وما دام هو الحاكم بأمره فعلا، وما دام رايض سلامة يدير شؤون ما يقارب اربعة ملايين ونصف مليون لبناني، في هذه المساحة، فليرخّص له دمج السلطة المالية بالسياسية، وليعلن شركاؤه هذا البلد رسمياً “جمهورية رياض سلامة المالية”.