ابراهيم درويش- العربي المستقل
بعد دقائق، وبينما البعض يعتبر أن الحياة قست عليه بما فيه الكفاية، حد فقدان قدرة التحمل، وذلك بسبب فراغ جيبه من الأوراق النقدية، أو بسبب شجار تافه مع صديق أو صديقة، او بسبب مرض لا يرتقي الى المستوى الخطر الذي يهدد حياته، أو بسبب ألم عابر، أو لسبب آخر، قد تتفاجأ من أن يكون باباً للحديث عن قسوة الحياة وظلمها، هناك شخصان سيخوضان تجربة من نوع آخر، سيفتحان معركة مشتركة مع الموت، من اجل صناعة الحياة.
في إحدى مستشتفيات بيروت، يخضع بعد قليل زميل يعمل في المجال الإعلامي لزرع كلية، بعد توقف الكلية الاولى عن العمل، وعدم تمكن الكلية الثانية من أداء وظائفها، فكان قرار الأطباء بوجوب البحث عن كلية جديدة.
البحث عن كلية بطبيعة الحال، ليس بالمهمّة السهلة، فالامر لا يقترن بالبحث عن واهب، انما المهمة الاصعب تمكن في ان تتناسب الكلية مع جسد المريض.
رحلة طويلة من المعاناة، والغسيل، الى البحث عن الواهب، بشرط توافر العناصر الموائمة التي لم تسر وفقا لما تتمناه تلك العائلة، الى أن كان الخيار الأصعب، والامتحان الأكبر. تم تأمين الواهب، وتطابقت أنسجة الكلى، ولاحت بوارق الأمل، ولكن بمجازفة أكبر، وبرحلة دقيقة، وبقصة، نأمل أن تكلل بالنجاح، لتحفر بفرح مطوّلا، على صفحات الايثار والوفاء والتفاني، وقدسية العائلة.
أتحفّظ عن ذكر الأسماء وبعض المعلومات الدقيقة، لا سيّما ان دقائق معدودة تفصلنا عن العملية، التي ستجمع زوجين في الضراء، بعد أن قرّرت الزوجة أن تهب زوجها كليتها، فستكن فيه روحا وجسدا. بلا اي تردد حسمت الزوجة القرا ربأن تخوض الامتحان الاصعب الى جانب زوجها، وتقاسمه الخطر، والالم، فيما خارج الاسوار، ينتظر طفلاهما، عودة والديهما، بفائض من الرجاء من الابن الاكبر (12 عاما) المدرك تماما لمسار العملية، فيما يرتقب ابن الأربع سنوات “عودة والديه من السفر”.
لا يتسّع المجال للكثير من الكلام، الوقت للتمني، للصاة وللدعاء، لهذين الزوجين، لا سيما عندما نتحدث عن تلك السيدة التي اتخذت قرارها، بأن تخوض هذا الاختبار، لاقتناعها بأن معركة الدفاع عن العائلة هي المعركة الأقدس، لتملأ تجوفات خلّفها الزمن في احشاء زوجها بكليتها، آملة متأملة، أن يكون الله سخرّها لانقاذه، واكمال رحلة العمر سويا، بولدين، و جسدين، وقلبين، وكليتين، لكن بروح واحدة.