المعارضة تطلق رصاص سلاح حزب الله على نفسها

إبراهيم درويش- العربي المستقل

لو أراد حزب الله، أن يتفنّن في إختيار خصومه وأعدائه، ولو كلّف فريقا مختصا لصياغة بيانات وخطابات، تصدر بلسان غير المنضوين تحت عباءته، لما وُفّق في صياغة تركيبة تخدم مشروعه وفكرته وخطابه، لرصّ صفوف المتذبذبين في منحه أصواتهم، أفضل من الدور الذي يؤدّيه بعض خصومه، وأعدائه.

لا يحتاج الأمر الى الإبحار بعيدا في التاريخ، أو دراسة جملة من التجارب في بلدان أخرى، ونحن على مسافة سنتين من الخروج الشعبي العارم في السابع عشر من تشرين 2019، وهنا لا يمكن أن تفهم لماذا أصرّ ويصرّ كثيرون على عدم الإستفادة من إخفاقات هذه المرحلة التي كان يمكن أن تشكّل منعطفا كبيرا في لبنان.

من الإنماء، الى المحاسبة، فالمساءلة، الى المقاربات الاقتصادية البديلة، والتي حاكت هواجس الناس وأوجاعهم، جراء إرتكابات نظام رديء، رمى بالبلد في التهلكة، وتساؤلات وجدت أذانا مفتوحة في معاقل البيئة المؤيدة والداعمة لحزب الله، وأمّنت إلتفافا حول مطالب محقة مشتركة، وصولا الى المرحلة الأدق، الأيام الفاصلة قبل الانتخابات، حيث تبلورت الكثير من الخطابات، وتقلّصت مساحات الحديث عن البرامج الإنتخابيّة والإصلاح، والقضاء العادل، والأمن القادر، وإستعادة أموال المودعين، ومحاسبة الفاسدين واللصوص، بغض النظر عن الطائفة التي تحميهم، والمذهب الذي يأويهم، وارتفع منسوب خطاب الحسابات السياسية، الحزبية والفئوية، الا لدى من قبضوا على مواقفهم الباحثة عن وطن يبنى على ارض الواقع، لا بالشعارات المعلّبة.

لا يمكن لمستطلع رأي ألا يلمس تململا وهو مصطلح ملطّف، لشكل من أشكال الغصب الذي يعتري صدور الناس الذين تكبدّوا ما تكبدّوه في بلد، خذلهم في غير مرة، فحتى الشريحة الكبرى المؤيدة، كانت ولا تزال ترتقب إستكمال معركة التحرير، بتحرير داخلي من الفاسدين، والمافيات، والزعران، وفارضي الخوات، والحلول لعجز القضاء، وغياب المياه والكهرباء، والسير بمخطّطات إقتصادية إنمائية، محاسبيّة واضحة، لا غموض يكتنفها.

 بعيدا من البحث الفضفاض حول قدرة الحزب ودوره وقراراته ومشاركته، والتعقيدات الكبيرة الكثيرة في هذا النظام، والهوّة الواسعة في المقاربات، واصل كثيرون اللعب في المنطقة المحظورة، لجمهور كبير، ساذجٌ من يراهن أنه نسي أو تناسى إرتكابات كيان الاحتلال الاسرائيلي ومجازره، وأنّ الدولة التي وقفت عاجزة عن توفير الكهرباء، والامن، والمياه، والطبابة، والأمن والأمان، ولم تستطع حماية أمواله في المصارف، لا زال يسأل كل ثانية، هل ستتمكّن من حمايته في حال قرّر كيان الإحتلال الإعتداء على لبنان مجدّدا، شاءت الاقدار أن يأتي استشهاد الإعلاميّة شيرين ابو عاقلة متزامنا، فيعيد تنشيط الذاكرة، وتدعيم الحجة، وتأكيد المؤكّد بأن هذا العدو لا يؤتمن، وبأنّه، لا يفقه الا لغة السّلاح والمواجهة.

على أعتاب أيام من الإنتخابات، يحقّ لأي جهة، لأيّ حزب، لأي تيار، لأي مواطن، أن يطلق الشعار الذي يريد، ولكن هذا التسويف والتجويف، ومحاولة تصوير لبنان على أنه جزيرة معزولة عن المنطقة وملفاتّها، وأن  مشروعا من هنا، وطرحا من هناك قادراً على نزع سلاح، لم تنجح المحاولات الاسرائيلية في تقويضه، ولا الحرب على سوريا، في الحد من فعاليته، ما هي الا عناوين فضفاضة كاذبة، نقلت الاستحقاق من إطاره السياسي الانتخابي، الى استكمال انقضاض المستثمرين في السابع عشر من تشرين، على  مساعي الباحثين عن وطن وسط هذا الخراب.

 اليوم، لا يمكن  لأحد الا يقول أن بين المرشحين، من يتمتعون بنظافة الكف، ومن يستحقّون أن يصلوا الى الندوة البرلمانية، وأن يشرّعوا، ويسعوا لتقديم نموذج مختلف، بمعزل عن خياراتهم السياسيّة، الا ان أصحاب المال، والأحزاب المتسلّقة، قرّروا إستكمال الإجهاز على  أي بارقة أمل في السابع عشر من تشرين، وخوض كباش سياسي-اقليمي-دولي فوق احلام الناس الهشة، فعادت الغالبية الى قواعدها، وكأن شيئا، لم يكن.