غاب رئيس الحكومة المستقيل عن الساحة، أو لمقاربة الموضوع من الزاوية السياسية الأدق، غاب مناصرو تيار المستقبل، عن تحركات غضب السبت.
بقيت مناطق ثقل تيار المسقبل هادئة جداً، على غير عادتها، عند كل تحرك شعبي، ينفجر في وجه حكومة “حسان دياب المستقيلة.”
غياب، اذا ما تم ربطه بالتطورات المتسارعة، يفتح الباب على السؤال “عن الذي تبدلَ، بعد زيارة الحريري الى المرفأ ووسط البلد، وتصريحه عالي السقف، ولماذا دخل الحريري في مرحلة الصمت السياسي، التي لم تنف المصادر المستقبلية أنها مرحلة ترقب لمسار الأمور.
المعلومات والأجواء أعلنت مرحلة جديدة، هي “انتقال اللعب، الى الأروقة السياسية، كجبهة أساس، من دون الاستغناء عن سلاح الضغط في الشارع “.
قبل استعراض المعلومات المتوافرة، لا بد من الإشارة الى الاقتناع الدولي، بأن تركيبة لبنان هي المخرج الوحيد الآني، في ظل صعوبة التغيير، أو إحداث خرق في جدار المعضلة اللبنانية القائمة.
وهذا ما حمله الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في جعبته الى بيروت، ولقائه الأحزاب السياسية، في جولة لم يستثن منها (ح_. الله)، بخلاف ما حاول البعض الاشاعة، قبل الزيارة.
المصادر المتابعة، تؤكد أن الرئيس ماكرون أبلغ الأحزاب السياسية، بما فيها (ح_- الله) برغبة الدول الصديقة للبنان، بتضافر الجهود الداخلية، لمنع غرق البلد، كما تؤكد المصادر أن الخرق الذي استجد، هو في التواصل الفرنسي- الأميركي، الذي ناقش التضييق الاقتصادي على لبنان، أو عدم إمكانية أن يؤتي ثماره المرجوّة، في ظل نجاح (ح_- الله) في منع أي توتر داخل المنطقة الحمراء، أي داخل بيئة الثنائي.
المصادر أشارت الى رسائل تلقفها الجانب الفرنسي جيدا، من ان (ح_-ب الله)، لن يقف مكتوف الايدي، وقد يجد الفرصة مناسبة للتمدد والمبادرة الى فرض حلول، يملك الحجة الكافية بانها باتت المنفذ الأوحد، هذا ما عجّل في حراك الرئيس الفرنسي، لاستباق أي تغيير، قد يلجأ اليه مرغما، وتطوّعه في أن يكون عرّاب تسوية في لبنان.
تشير المصادر المتابعة أيضا، الى الاقتناع الأوروبي بأن التضييق الاقتصادي على لبنان، لن يؤتي ثماره، وبات واضحا ان (ح_ ز-ب الله(، أيقن تماما، استيعاب الصدمة الأولى، وارتداداتها، فكان لا بد من مناورات سياسية ودولية، تسحب ملف الاشتباك الى حيث تريد.
يجمع، حتى أكثر المتضررين من حكومة حسان دياب، أنها جاءت الى حد ما من خارج “السيستم “القائم، وهو ما لم يرق للأحزاب السياسية، التي تدرك حجم الخطورة، في كسر أي حلقة من حلقات هذا السيستم”.
كنا ذكرنا، في غير مقال أن مرشح الرئاسة الثانية الرئيس، لرئاسة الحكومة كان ولم يزل سعد الحريري، وبالتالي، كان المرتقب فرصة متاحة، لانهاء سريع لمرحلة دياب، إفساحا في المجال امام عودة الحريري، وهذا ما عجّل في استقالة دياب، حيث جاء تلويح الوزير المستقيل غازي وزني رصاصة الرحمة في جسد الحكومة المتهالك.
المجتمع الدولي، والدول المتهافتة اليوم، الى مساعدة لبنان، ليست مؤسسة خيريّة، فالعلاقات الدولية، لا تأبه الا بلغة المصالح، وبالتالي، من يعتقد أن المجتمع الدولي، الذي تغيّب في أحلك الظروف، عن مدّ يد العون للبنانيين، إبان مراحل العدوان الإسرائيلي، لا يعيش اليوم حالة من صحوة الضمير المفاجئ، وانبرى الى منع الجوع عن الشعب اللبناني، وبالتالي هو سيسحب اللعبة من الداخل اللبناني، ليتحوّل الى العراب المكلّف، بفرض الشروط الدولية، عبر إمساكه العصا من النصف، من دون أن يعطي العذر لأي فريق، بكسر ستاتيكو الصراع والذهاب بعيداً في خياراته.
أما عن الشارع، فهو الصورة الأصدق إنباء عن لبنان وعن الانقسام العمودي فيه، بين من يؤمن بضرورة الإصلاح ومحاربة الفساد، والحالمين بوطن أفضل، وبين المنتفعين، والمتسلقين وحتى المرتزقة، اذا ما صح القول، الذين يسعون الى حرف المطالب الشعبية، لتحقيق مكاسب سياسية، وتعزيز دفاتر الشروط، على وقع المساعي الدولية.
أولى ارتدادات العصف، كانت استقالة حكومة حساب دياب، الذي كان وحكومته، أولى الاضاحي، لحساب حكومة الوحدة الوطنية المزعومة، والتي ستعيد انتاج السلطة نفسها، ولتكون عرابة عقد سياسي جديد، في حال نجاحه وعبوره محيط الموت، لن يأتي الا على شاكلة صائغيه وذهنيتهم الادارية، أما البديل، فسيكون الخراب، ولا شيء، سوى خراب يديره الأقوى.