إبراهيم درويش_العربي المستقل
الكلمة الأولى التي تجد نفسك تتوجه بها الى مريض سرطان: أنت “بطل”، ليس في الكلمة إطراء ولا مجاملة، فمن لم يختبر، لا يدرك حجم الألم، ومن لم يعايش، لا يفهم كيف يمكن أن يصيب مرض السرطان مجموعة أفراد بضربة واحدة، فيفتك بضحية إختارها، بينما يغرز حمم سمومه، في أجساد الآخرين، فيقتلهم ببطء، حتى لو بقوا أحياء الى أجل مؤجّل.
يعتبر البعض، أنّ الثأر من الموروثات البالية، لكن ليس في حالته، فعلى الصعيد الشخصي لي ثأر كبير معه، وعلى الصعيد المجتمعي لي ثأر معه، وعلى الصعيد الانساني، لي ثأر معه، ولن أصفح ولو تجسد أمامي لقتلته، ولمثّلت بجثته، باسم جميع الابرياء، والأطفال، والأمهات، وكبار السّن، ممن فتّت عظامهم، وشحب ألوان بشرتهم، وصهر بين جلدهم وعظمهم.
لا أدري من أين يأتي مرضى السرطان بهذه القوّة، وكأنّ الله، اختارهم رسل آلام، يضحّون لأجل البشريّة، يخوضون معاركنا بأجسادهم بأملهم، ولا أدري إن كان الأمر صدفة، أو فعلا هم كذلك، فجميع من صادفتهم، ممن استوطن السرطان في جسدهم، يفيضون بالجمال، ويقاومون بالبسمة، والأمل، والتسليم.
لا زال السرطان قادرا على الاستحالة الى قنبلة فراغيّة، يفرغ قلوبنا من الفرح، ويلفّ جدرانها لمدّة طويلة بالسواد.
لا أعرف فوزيّة فيّاض، لكن علمت أنها كانت تقاوم بشراسة، وأنّها كانت تطرّز من وجعها أمل، شكت فوزيّة وجعها على الشاشات، ورفعت الصّوت عاليا، في وجه سرطانها، وسرطان الفاسدين، في صلب محنتها، ارسلت كلماتها زفرات دعم الى من يمرون بأزمات : “كلّنا نمرّ بصعوبات، لكن يمكنك الانتصار عليها”. وأضافت حينها : “مهما صار، كوني البطلة في حياتك مش الضحية. وأنا اخترت كون بطلة نفسي”.
كانت بطلة، كما غيرها من الأبطال، الذي قاوموا حتى الرمق الأخير، بعضهم انتصر، وبعضهم نجح الخبيث، في التملك بأجسادهم.
يوما سيكتمل عناق حروفي، وأروي مطولا عن هذا الخبيث، لكن في معرض الحديث عن أبطال، قاوموه، وحولوه منارات أمل، لا بد من توجيه التحيّة الى الزميلة هدى شديد التي انتصرت عليه، وعصرت من تجربتها، حكايا أمل وصمود، ونسأل الراحة لأرواح، من سقطوا في هذه المعارك، في ميادين البطولة، والشفاء العاجل لكل من يواجهون، بقوة واصرار.