فتور لبناني بالعلاقات الاقتصادية مع روسيا والأسباب سياسية بإمتياز!

في السنوات الماضية، سُجّل اهتمام روسي متزايد بالسوق اللبنانية، فيما أبدى لبنان، في المقابل، فتوراً غير مفهوم تجاه العلاقة الاقتصادية مع روسيا والدول المرتبطة بها والتي تعدّ سوقاً استهلاكية ضخمة فيها 250 مليون نسمة

يشير الميزان التجاري بين لبنان وروسيا، منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، إلى اهتمام روسي بتعزيز العلاقات التجارية مع لبنان، في مقابل انكفاء لبناني عن سوق ضخمة تضم روسيا والدول المحيطة بها والمرتبطة عضوياً بالاقتصاد الروسي. فمنذ 1993، تضاعفت صادرات روسيا إلى لبنان أكثر من 12 مرّة من 102 مليون دولار لتبلغ ذروتها (1.3 مليار دولار) وتشكّل 7,2% من واردات لبنان عام 2019، قبل أن تتراجع عام 2020 بفعل الانهيار إلى 519 مليون دولار (4.6% من الواردات). في المقابل، لم تتخطّ الصادرات اللبنانية إلى روسيا في أوجها عتبة الـ 14.6 مليون دولار عام 1993، وتراجعت إلى 8.1 ملايين دولار عام 2019، و7 ملايين دولار عام 2020.

ركيزة العلاقات التجارية بين البلدين محورها النفط والغاز. إذ شكّلت المشتقات النفطية 89% من إجمالي السلع التي استوردها لبنان من روسيا عام 2019. وربما هذا ما يفسّر الرغبة الروسية في الاستثمار في هذا القطاع في لبنان. فإضافة إلى مشاركة روسيا، عبر شركة “نوفاتيك”، في تحالف الشركات المنقبة عن النفط والغاز في المياه اللبنانية إلى جانب شركتَي “توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية، فازت شركة “روسنفت” الروسية عام 2019 بعقد استثمار وتأهيل خزانات منشآت النفط في طرابلس. كما قدّمت شركات روسية عروضاً لتأهيل محطة تكرير النفط، فضلاً عن عروض في مجال إنتاج الطاقة الكهربائية.

يوضح أمل أبو زيد، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الروسية، أن “العلاقات الاقتصادية بين لبنان وروسيا ليست قوية بما فيه الكفاية، لأسباب سياسية في المقام الأول. إذ إن هناك استخفافاً لبنانياً بالتعامل مع روسيا وكأنها سوق غير مهمّة للصادرات اللبنانية، رغم أن روسيا والدول المحيطة بها توفّر سوقاً استهلاكية ضخمة تضم أكثر من 250 مليون نسمة”. ورغم وجود لجنة حكومية اقتصادية مشتركة تأسّست عام 1998، وعقدت اجتماعات دورية سنوية في من بيروت وموسكو اعتباراً من عام 2011، فإن “العلاقات لم تُفعّل بالشكل اللازم من الجانب اللبناني. هناك عدد من الاتفاقيات الجاهزة والمحضّرة من قبل الجانبين منذ أكثر من 3 سنوات، لكن لم يتفق الجانب اللبناني ولو على واحدة منها لإقرارها” يقول أبو زيد.

واقع انعكس سلباً على حجم العلاقات بين البلدين من النواحي الاقتصادية والتجارية. ويكشف أبو زيد أن “عدد رجال الأعمال اللبنانيين العاملين في روسيا محدود جداً، ونوعية النشاطات التي يستثمرون فيها بسيطة، باستثناء حالة أو حالتين فقط في قطاع النفط والغاز. وكلّ رجال الأعمال اللبنانيين في روسيا هم من ممن تابعوا تحصيلهم العلمي في روسيا واستقرّوا فيها”.

يقلّل رئيس مجلس الأعمال اللبناني ــــ الروسي جاك صراف من شأن تأثير العقوبات الأميركية والأوروبية الأخيرة على روسيا “لأن العقوبات مفروضة على روسيا منذ عام 2014، ولم تؤثر في التعاون بيننا وبينهم. وفي حال طالت الأزمة وتعمقت، فالروس مهيّأون للتعامل معها وسيبتكرون الوسائل التي ستسمح لهم بالتقليل من آثارها”. فيما لفت أبو زيد إلى أن “العقوبات لم تشمل كل المصارف والمؤسّسات الروسية. ولكن حتى قبل صدور أي عقوبات، لم يكن لبنان يقبل بإجراء أي تحويلات مالية بين البلدين. والعديد من التجار اللبنانيين فتحوا منذ زمن اعتمادات في مصارف خارج لبنان للتعامل مع الشركات الروسية”، مشيراً إلى أن “العقوبات دائماً تتضمن ثغرات لتسهيل بعض التعاملات، وخاصة تلك التي تعنى بالجوانب الإنسانية كالقمح والمشتقات النفطية”.