إبراهيم درويش- العربي المستقل
على الرّغم من مساعيه الحثيثة، لم يستطع رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، ولم تخدمه الظروف، وتعقيدات المرحلة المشتعلة إقليميا، التي لم تتناسب مع شخصيته ورؤيته ومقاربته، في بناء جسر إقليمي-محلّي، يحفظ دوره، ويقيه شر مواجهة داخليّة شرسة.
كان المطلوب من الحريري، أكبر بكثير من قدرة تحمله ومن الإمكانيّات المتاحة، وأكبر بكثير من المرحلة التي فرضت على رجل، أُقحم في الحياة السياسية، بعد اغتيال والده، وبعد أن تم اختياره الوريث الأنسب للتركة السياسية الثقيلة جداً.
تصدّر الرئيس الحريري المشهد، في الرابع عشر من آذار من العام 2005، فتح المعركة على مصراعيها، على رأس قيادات سياسية تناغمت في المشروع، رصّت صفوفها، وأطلقت مشروع المواجهة من بيروت الى إيران مرورا بسوريا، بحسب عناوين ومضامين خطابات المتحمسين الى المواجهة، قبل أن يتفكك هذا التحالف، عند أعتاب المتحورات السياسية المتسارعة.
كان الحريري محاطا بجملة من المستشارين، والسياسيين المحنّكين المخضرمين، والذين رسموا أطر سياساته، بعضهم نجح لاحقا، في اقصائهم، فيما البعض الآخر، كانوا قد تجذروا في التيار منذ حقبة الرئيس الراحل، وهم أنفسهم اليوم، ينتظرون أن يتصدروا المشهد على الساحة السنيّة، ولا سيما رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، الذي يرى الفرصة سانحة، لوراثة الحريري سياسيا، وهو ما كان الرجل يمهّد له، في الفترة الماضية، عبر المواقف المتمايزة والمندفعة، والتي تعزّز أوراقه خليجيا ليشكّل رأس الحربة في مواجهة حزب الله في لبنان.
حسمت السعودية أمرها في لبنان، بالتبديل والتغيير الجوهري في السياسات التي انتهجها الفريق الموالي لها، منذ ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري حتى تاريخه، الأمر الذي انعكس مؤخرا في أكثر من لقاء ضم المملكة مع قيادات الرابع عشر من آذار، وهي إضافة الى الملفات الخاصة للحريري في المملكة، ترى ان الرئيس الحريري لم يقم بما كان يجب أن يقوم به رئيس حكومة يحظى بالدّعم السعودي في هذه المرحلة، وهو ما كان تجلّى في فترة ما قبل تولّي الحريري رئاسة الحكومة مؤخّرا قبل إستقالته، الأمر الذي استوجب تبديلا في المشروع والوجوه على مشارف الانتخابات، التي في حال حصولها، لا بدّ أن تخاض بصقور تحمل مشروع مواجهة واضحة، وتكون الخطوة الاولى، في كسر حالة التوازن القائمة في إدارة هذا البلد، بين مكوّناته الأساسية، ضمن أطر تحكم الحياة السياسية في لبنان.
قد لا ينجح عزوف الحريري عن خوض غمار الانتخابات، في تغيير المشهد الانتخابي، لكنّه حتما، سيكسر حلقة أو ركنا من أركان شكل الحكم في لبنان، وهو ما سيحدث، متغيرا، في الحياة السياسية، ويشي، في القريب العاجل، بمتغيرات في شكل النظام السياسي الحاكم، وأدوات الحكم، أما من لا زالوا يتحدثون عن أن “لبنان بتداخلاته وبتركيبته السياسية، يمكن أن يقوم بذاته، بمعزل عن المتغيرات في المنطقة”، فليعد الى العام 1989، وليبحث كيف فصّل نظام الحكم في لبنان، وكيف استمرّ على حاله، حتى تاريخه.