إبراهيم درويش _ العربي المستقل
قد يختلف البعض في المقاربات السياسية مع البطريرك الماروني بشارة الراعي، وهو أمر في صلبه، في غير سياقه الطبيعي، كون غبطة البطريرك، رجل دين، وحاله كحال رجال الدين مجتمعين على إختلاف المشارب والإنتماءات، لطالما كان أملنا في أن لا يكونوا جزءا من الإختلاف السياسي، بل أن ينطلقوا من بوابة القيم الدينية، في مساحات جامعة، ليشكلوا بارقة أمل يمكن أن يُرتكز اليها، في وجه الفاسدين والمفسدين، الذين يخالفون التعاليم الدينية، التي يحملون لواءها.
لا بل كان الرهان أن يتقدموا طوابير الفقراء دفاعا عن حقوقهم، في وجه كارتيلات الإحتكار والفساد، والمافيا السياسية- المالية، وأن يكونوا رأس حربة في منع أي إعتداء على لبنان، داخليا كان، أم خارجيا.
اما في ما يتعلق، بكلام غبطته، ومناشدته للجيش اللبناني، لمنع إطلاق الصواريخ من الأراضي اللبنانية، وتأكيده على التعب من الحروب، فنحن نضم صوتنا الى صوته، لقد تعبنا غبطتك، تعبنا كثيرا، من عدو، لم يكفّ يوما عن إستباحة أرضنا، ولم يتردد يوما في قتلنا وسرقة خيراتنا، وسحق ممتلكاتنا، أو التلويح بحرب تهدم أي من أشكال الإستقرار حتى الوهمي في بلدنا.
نوافقك، لقد تعبنا غبطتك، ونحن نجابه باللحم الحي، هذا العدو الدموي.
وبعد، لقد قاتلت أمهاتنا بالزيت المغلي، والماء الساخن، وقاتل أجدادنا ب “بواريد” الصيد، حين تخلّت الدولة عنا، وتركت صدورنا تصد شظايا بارود وقذائف وصواريخ العدوان الغاصب، ووقف “المجتمع الدولي” متفرجا يحصي قتلانا، ومعبرا عن قلقه.
قد مضى وقت، لم تزر غبطتك وأقرانك من المراجع الدينية والسياسية القرى، ولم تتفقدوا رعاياكم.
في القرى، غبطتك، أطفال أطفأ الغدر نور عيونها، وبترت القنابل العنقوية أطرافها، وأمهات ثكلى، وشبان افترشوا الأودية والتحفوا السماء، وحملوا دماءهم على أكفهم، ولا زالوا.
غبطتك، أبناء القرى، تنهشهم بيروت، تخنقهم بحزنها، بانقطاع كهربائها، وقد حرمهم الفساد مياها، يتوسلونها من سائقي صهاريج، يتحكمون بالأسعار وفقا لبورصة المازوت غير المتوفر، فيمتطي الجنوبيون أرواحهم، ليطلقوا سراح أرواحهم في فيء دالية، وجوزة، وتفاحة.
نحن معك غبطتك وأكثر، نحب الجيش ونريده قويا بسلاح يوازي سلاح المعتدي جوا وبحرا وبرا، نريده حاسم القرار في قطع يد المحتل، ما إن فكر تقيء حقده فوق أراضينا، فيرتدع، قبل أن نبحث في أسباب الرد، وضروراته، علّنا نخفف عن أعمدة الكهرباء، والجدران وزر إحتضان صور الشهداء، في وجه كيان لا يرتوي من ارتشاف الدماء.
نحن نريد ونريد ونريد، نريد دولة قادرة، سارقوها خلف القضبان، وقضاتها أحرار أقوياء، نريد كهرباء وماء ودواء، نريد أمنا، و نريد ردع التدخلات الخارجية، في سياستنا، وإقتصادنا، كما نريد استعادة حقوق المودعين، وقطع يد المحتكرين، ومعرفة هوية المرتكبين والمسببين للرابع من آب، ومحاسبتهم، لأي جهة انتموا.
وفي ظل كل هذا السواد القاتم، لا يمكن لنا أن نرتضي تحت أي حجة، وأي ظرف، وأي وضع، أن يقتلنا العدو ونسكت، وأن نعود الى مقولة لبنان في ضعفه، وأن يضعنا قاتلنا أمام خيارين، إما مغادرة القرى، وإما الرضوخ، لتهديداته، وأدوات قتله.
لقد ثبتت المعادلة لسنوات خلت، بما لا يحتمل التحوير أن قوة لبنان بمعادلة الردع، حين تعجز العلاقات، وتباكي الدول “المحبة”، لقد تعلمنا أن العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم، فاذا كانت الطبقة السياسية تجيد فنون سفاح القربى، ومواجهتها قد تغرق البلد في حمام من الدماء، لا يمكن أن نقبل قتلنا من داخل الحدود وخارجها.