لغز الأجواء الإيجابية!

إبراهيم درويش_ العربي المستقل

لا يختلف إثنان على أنّ الوضع في لبنان، وصل حدّا لا أحد يملك فيه ترف المفاضلة، فالمرحلة تقتضي قرارا حاسما بوضع مصلحة لبنان وشعبه أولويًة، على أيّ أولويّة أخرى.

اعتاد اللبنانيون سابقا على مصطلح عيديّة وهديّة، الذي كان يلصق باتفاق الساسة في البلاد على ما هو في الأصل واجب عليهم، وحق للبنانيين، وجد فيه أصحاب القرار، ما يرضيهم، بعد مسار طويل من التجاذب العبثي في جزء يسير من الإستحقاقات.

المتابع لمسار التشكيل الحكومي، منذ أيام مصطفى اديب، الى سعد الحريري، وصولا الى نجيب ميقاتي، يمكن أن يلاحظ ان الإيجابية، رافقت اغلب الاجتماعات والمشاورات، لكنها جميعها خلصت الى نتائج سلبية.

خلف الكواليس، وفي الجلسات، وعبر الهاتف، ينقسم الساسة، الى أنواع ثلاثة.

1- مجموعة: تقفل هاتفها او تتجنب الرد على أي إتصال.

2- مجموعة: تقوم بما هو مطلوب منها تماما وتحاول أن تعكس وتمرر الأجواء الإيجابية عبر الصحافة، وهنا يمكن للصحفي، أن يلمس صدقية ما ينقل اليه من عدمه، عبر ربطه بين ما يقوله محدّثه، وعبر سياق الأسئلة التي تأتي إجاباتها غير مقنعة، أو على شكل ردود لا ترتقي الى مستوى الجواب.

3- المجموعة الثالثة: وهي المجموعة، التي تحافظ على مصداقيّتها، وعلى احترامها للصحافة، وتنقل بصدق الأجواء كما هي، أو قد تعتذر وتعزف عن الإدلاء بأي معلومة، ما كانت غير مخّولة بقولها، او تجد فائدة في كتمانها.

وفي السياق، هنا لا بدّ الى الإشارة الى أنواع ثلاثة أيضا من الصحفيين:
1- صحفي يجاري محدّثه ويسوّق أي معلومة يقولها، ليس بأمانة الناقل، إنما عبر “التمليح والتبهير” والترويج المخادع، حتى لو كان في يقينه يدرك عدم صحة المعلومة.

2- صحفي إما ينقل المعلومة كما هي، وكما استشفّها أو ينسبها الى مصدرها، ويحاول الى أن يصل الى الحقيقة من أكثر من مصدر، أو من أصدق مصدر متاح ومتوفر.

3- صحفي لا يتصل، وهو إما يستقي الأجواء من أي جهة استنسب مصلحة فيما تقول، سواء كانت معنيّة أو غير معنيّة، أو حتى غير متابعة، فيصيغ سردا يناسب أهواءه، في قالب مغر لجمهور يدرك جيدا ماذا يحب أن يقرأ ويسمع، وإما يطلق العنان لبنات أفكاره، فيعكس الجو الذي يناسبه.

في هذا السياق، نجد أنّ الحديث عن أجواء إيجابية إستباقية، هو جزء من اللعبة والكباش السياسي، حيث يحاول أي فريق سياسي، ان يغدق الأجواء الإيجابية، قبل أن يحاصره الطرف الآخر، في خانة السلبية وتبديد الأجواء الإيجابية، وبالتالي ارتكازا الى ما ذكر في السطور أعلاه، لكانت الأمور أقل سوءا لو اتقى البعض أخلاقهم وضميرهم ووطنهم في ما يكتبون وينشرون.