العربي المستقل: زينب الزين
لطالما كان الإغتراب، مساحة أمل وإنفراجة بالنسبة للبنانيين ، من العلماء الذين رفعوا اسم لبنان عاليا، إلى الطلاب الذين أثبتوا بذكائهم واجتهادهم قدرة الطالب اللبناني على التكيف والتعايش في الخارج والوصول إلى أعلى المراتب العلمية، وتبؤ أرفع المناصب في شتى ميادين العمل. ليكتبوا بذلك مجد لبنان باجتهادهم ونجاحاتهم. ولكن ما مصير هذه النجاحات اليوم؟
منذ بداية الأزمة المعيشية في لبنان وتراجع سعر صرف الليرة مقابل الدولار، بدأت أزمة الطلاب اللبنانيين في الاغتراب وكأن شبح الفساد الذي هربوا منه امتدت أياديه المظلمة إليهم لتسرق حلمهم ومستقبلهم ومعه مستقبل لبنان الواعد بهم. فأهالي الطلاب الذين ربوا أطفالهم “كل شبر بندر” وسهروا الليالي وعملوا كي يؤمّنوا لهم ما يكفي لتعليمهم في الخارج في جامعات تضمن حقهم المهدور في وطنهم لم يعودوا يستطيعون إكمال ما بدأوا به. فبعد وصول الدولار إلى ما يفوق ال 12 ألف ليرة لبنانية بات من الصعب بل من المستحيل على الكثير من الأهالي تأمين أقساط جامعات أبنائهم في الخارج.
فرحة اللبنانيين بصدور قانون الدولار الطلابي في ١٦ تشرين الأول من العام المنصرم، لم تكتمل. فبالرغم من توقيع القرار من رئيس الجمهورية والنواب وإدراجه في الجريدة الرسمية إلا أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة “ضرب بالقانون عرض الحائط” كما وصفته سمر المقهور الناشطة في موضوع الدولار الطلابي والعضوة في الرابطة اللبنانية لرعاية الطلاب في الاغتراب. سمر الناشطة ومعدة البرامج والأم التي تناضل من أجل حق ابنتها في الغربة وحقوق جميع الطلاب المغتربين، لا تخفي مشاعر القهر التي تعتريها، جراء ظلم الدولة للطلاب وذويهم.
تقول المقهور في حديثها ل العربي المستقل”: الكل معنا ولكن عند التطبيق يختفي الجميع، لم يبقَ مسؤول في البلد إلا وزرناه من نائب الى وزير لرئيس الجمهورية وغيرهم ولكن كلّ كلامهم لم يعدو عن كونه وعودًا كاذبة فالقانون لم يطبق بعد”.
هذا القانون الذي تحدثت عنه سمر وكان حديث الساعة في الأشهر الماضية، هو القانون رقم ١٩٣ الذي يقضي بتحويل مبلغ وقدره ١٠ آلاف دولار أمريكي لكل طالب لبناني في الاغتراب على سعر الصرف ١٥٠٠ ليرة للدولار الواحد. وقد صدر في ١٦ تشرين الأول ٢٠٢٠ ووقعه رئيس الجمهورية ومجلس النواب، ولكن حتى تاريخه، وبعد مرور ستة أشهر على صدوره لم يطبق بعد، والسبب “شروط تعجيزية تضعها المصارف على الطلاب” كما أفادت سمر فمن خلال اجتماعهم بأكثر من من إداري في المصارف “كانت المبررات هي أوراق تطلبها المصارف للتحقق من مكان دراسة الطلاب ولكن آلية الحصول عليها هي التي تجعل الموضوع معقدا”.
أزمة “الدولار الطلابي” لم تعد مجرد أزمة تطال مستقبل الطلاب بل باتت تطال كبرياءهم وكرامتهم، فهناك عدد كبير من طلاب لبنان في الاغتراب مهددين بطردهم من جامعاتهم إن لم يدفعوا الأقساط المستحقة عليهم. وذلّ الدولة لاحق اللبنانيين حتى في الدول الخارجية.
ثلاث جمعيات اليوم في لبنان تناضل من أجل تطبيق هذا القانون هي “الرابطة اللبنانية لرعاية الطلاب في الاغتراب”، “الجمعية اللبنانية لأولياء الطلاب في الجامعات الأجنبية” و “جمعية أهالي الطلاب اللبنانيين في الخارج”. فبعدما لم تستطع السلطة التنفيذية ولا التشريعية مساعدتهم سينتقلون إلى القضاء المختص بدعم من رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أمن لهم دعما قانونيا عبر محاميين من حركة أمل سيبدؤون حملة قضائية لفرض تطبيق هذا القانون بالقوة، بحسب تأكيدات سمر.
لم تكتفِ الجمعيات بذلك بل سجلت موقفها من خلال تحركات على الأرض من اعتصامات الى وقفات احتجاجية ولقاءات مع مسؤولين في لبنان. وعندما لم تجد نتيجة من كل ذلك اتجهت نحو التصعيد على الأرض فبدأت عمليات إغلاق المصارف غير المتعاونة معها وإفراغها من الموظفين و “لا تراجع عن هذا القرار” كما أكدت سمر. “الخطوة القادمة هي التصعيد حتى يطبّق القانون وبعد أعطال العيد سنتجه إلى القضاء عبر محامين من حركة أمل”.
التصعيد جاء بعد اقتراب موعد سقوط القانون الذي لم يطبّق بعد ففي شهر آب من العام الحال سيسقط القانون وينتهي مفعوله. وإلى ذلك الحين سيبقى مصير الطلاب اللبنانيين في الجامعات الأجنبية يعوم في الفضاء المجهول كما هو مصير كلّ شيء تقع عليه يدُ الفساد.