الأسبوعان المقبلان سيكونان، بالنسبة للبنان، حاسمين. في أثنائهما، إمّا تُرسَم ملامح حلّ “معقول” أو يقع الإنفجار الكبير.
العشرية الأولى من شهر أيّار (مايو) المقبل لن تكون صالحة لتمديد فترة التأرجح التي امتّصت آخر ما تبقى من احتياطات المصرف المركزي، والنذر القليل المتبقّي من الفاعلية الفرنسية والمصداقية الدولية.
في هذين الأسبوعين، إمّا يتم تشكيل حكومة قادرة على الإصلاح في الداخل اللبناني ومؤهلة للتفاعل مع المجتمع الدولي، وإلّا فإنّ الجميع سيرفع أقدامه عن المكابح التي تحاول أن تُخفّف من سرعة الإنزلاق وتالياً من قوة الإرتطام.
غداً الإثنين، سيكون الموضوع اللبناني على طاولة تجمع، في باريس وفداً روسياً مع المسؤولين الفرنسيين، حيث سيتم، في ضوء الاتصالات التي أجراها الطرفان، تحديد الخطوات المقبلة.
الوفد الروسي سيدعو باريس إلى إرجاء كلّ خطوة تجسّد تلويحها بإنزال عقوبات على المسؤولين عن العرقلة في لبنان. الفرنسيون مهيّأون لإعطاء فرصة “قصيرة للغاية”، فهم، كما يقول المثل اللبناني، “يريدون أكل العنب لا قتل الناطور”.
الإدارة الفرنسية، وخلافاً للإدارة الروسية، باتت، بعد طول نفي، مقتنعة بجدوى العقوبات في الحديث مع السياسيين اللبنانيين. الاتصالات الأخيرة التي سارعت أطراف لبنانية الى إجرائها معها، بعد التزام وزير الخارجية الفرنسية أمام مجلس الشيوخ الفرنسي، باتخاذ “إجراءات ضاغطة” على معرقلي تشكيل الحكومة في لبنان، أكدت لها ذلك.
إن “روحية” المؤتمر الصحافي الذي عقده، أمس السبت رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، تترجم الاتصالات التي كان قد أجراها وفريقه بقيادة السفير اللبناني في باريس رامي عدوان، فهو “خائف” من عقوبات أوروبية تلي العقوبات الأميركية التي بدأت مفاعيلها، بالظهور.
وخلافاً لما كان يعتقد سابقاً، فقد أنتجت العقوبات الأميركية مفاعيلها، فجبران باسيل، بواسطة رئيس الجمهورية ميشال عون، ذهب في ملف الحدود البحرية مع إسرائيل، إلى حيث لم يتجرّأ أحد على الذهاب، إذ أعلن، بالفم الملآن:” ليس حكيماً أن نبقى على الخط السابق 23، طالما أنّ الإسرائيلي لن يعطينا إيّاه”.
وبهذا الكلام يكون جبران باسيل قد نقل رفض عون توقيع مرسوم توسيع المساحة البحرية الحدودية التي يطالب بها لبنان، من النقاش الدستوري الى النقاش “البراغماتي”، وفق رغبة واشنطن.
وليس سرّاً أنّ جبران باسيل، هو في عين العاصفة الفرنسية، لجهة عرقلة تشكيل الحكومة الجديدة.
ومن يُراقب تطوّر الأدبيات الدبلوماسية الفرنسية يدرك ذلك، فجان إيف لودريان، إنتقل من التعميم الى التخصيص، حتى أنّه، في آخر إطلالة له على الملف اللبناني، لم يحمّل مسؤولية العرقلة لمجمل الطبقة السياسية، بل خصّص ” بعض اللاعبين” موجّهاً إليهم تهمة التسبب بموت لبنان، لأنّ هدفهم هو الانتخابات المقررة في العام 2022.
كلام رئيس الدبلوماسية الفرنسية لا يستهدف الانتخابات النيابية المفترض أن تحصل في أيار(مايو) 2022، بل الانتخابات الرئاسية التي يجب أن تحسم هوية من سوف يخلف عون في 31 تشرين أوّل (أكتوبر) 2022.
وثمّة قناعة لبنانية ودولية أنّ عون، لمصلحته أوّلاً ولمصلحة جبران باسيل إستداركاً، بكّر في فتح ملف الانتخابات الرئاسية، حتى أنّ أقرب المقربين إليه، أفصحوا عن أنّ نظرة القصر الجمهوري الى الحكومة الجديدة، محكومة بالنظرة الى استحقاق رئاسة الجمهورية، إذ إنّ هذا القصر لن يوافق على تشكيل حكومة لا تتناسب ورؤيته، طالما أنّها هي من ستتولّى مهام الرئاسة، في حال تعثّرت الانتخابات الرئاسية، ودخل قصر بعبدا، من جديد، حقبة الفراغ.
بطبيعة الحال، لن تقتصر المحادثات الفرنسية-الروسية التي تنطلق، في باريس، يوم غد الإثنين على وضعية اللاعبين اللبنانيين، بل ستتوسّع في اتجاه المواقف الدولية بدءاً بالولايات المتحدة الأميركية، مروراً بإيران، وصولاً الى المملكة العربية السعودية.
وهذا يعني أنّ “حزب الله”، بشقيه المحلي والإقليمي، سيكون محورياً على طاولة المحادثات، حيث على موسكو أن تقدّم جديداً لباريس، على هذا المستوى، لأنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فعل كل ما يمكنه، وخلافاً لنصائح إقليمية ودولية، لإقناع “حزب الله” بالإنخراط في أن يكون عاملاً إيجابياً للبنان، ولكنّه لم يُفلح في ذلك.
وتدرك باريس أنّ موضوع “حزب الله” أحبط ويُحبط مساعيها، لتوفير مساعدة إنقاذية عاجلة للبنان، إذ إنّ هكذا مساعدة معقودة على دول مجلس التعاون الخليحي، عموماً وعلى المملكة العربية السعودية، خصوصاً.
وسبق أن بحث ماكرون في مسألة تقديم السعودية مساعدات إنقاذية عاجلة للبنان، مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. في المرّة الأولى، قطع بن سلمان النقاش، على اعتبار أنّ لا جدوى من النقاش في الموضوع اللبناني، حيث سيطرة “حزب الله”. في المرّة الثانية، إستمع بن سلمان وترك لوزير خارجيته الأمير فيصل بن فرحان أن يُحدّد النظرة السعودية الرسمية للبنان، فخرج عبر “سي.أن.أن” الأميركية في الرابع من نيسان(أبريل) الجاري، حيث قال:” لا تشعر المملكة بأنّه من المناسب الإستمرار في دعم الوضع الحالي في لبنا، حيث قدّم لاعباً غير حكومي، أي “حزب الله”، ومنحه حق الفيتو على كل ما يجري في البلد والسيطرة على البنية التحتية الرئيسة، فيما لا تفعل الطبقة السياسية سوى القليل للتعامل مع التحدّيات التي يواجهها الشعب اللبناني(…)”.
ولا يخرج القرار السعودي القاضي بحظر استيراد المنتجات الزراعية من لبنان، بعد تكاثر استعمالها لإدخال أقراص الكبتاغون الناشطة صناعتها في المناطق التي تخضع لسيطرة “حزب الله” في لبنان وسوريا، عن هذا الإطار.
إنّ تهريب المخدّرات، من أي دولة إلى أي دولة، ليس مسألة استثنائية تستدعي حظر الإستيراد، ولكن، بالنسبة للملكة العربية السعودية، إنّ محاولة إغراقها بالكبتاغون، عمل عدواني، لأنّه يتم من خلال المرافئ والمخارج التي ل”حزب الله” التي تدرجه على لوائح الإرهاب، الكلمة العليا فيها وعليها.
وهذا القرار السعودي ليس خبراً ساراً لا لباريس ولا لموسكو، لأنّ تطلعهما، كل لأهدافه الخاصة، الى إنقاذ لبنان، بات يحتاج الى حكومة قادرة على إجراء إصلاحات وعلى اتّخاذ قرارات سيادية، في آن.
وهذا يعني أنّ عليهما أن يتوجّها الى إيران التي لا يبدو أنّ الجميع يريد الاتفاق معها على الملف النووي، ولكنّ أحداً لا يضغط عليها لإزالة “نفوذها الخبيث” على عدد من الدول، يتقدّمها لبنان الآيل الى الإنهيار الكبير، بطبيعة الحال.
فارس خشان المصدر: النهار العربي