كتبت جويل رياشي في الانباء الكويتية
خرجت وسائل الإعلام اللبنانية في الساعات القليلة الماضية لتتحدث عن ان لبنان بات خارج الأسواق المالية العالمية، وتناولت التقارير تراجعا لتصنيف لبنان من قبل إحدى الجمعيات المالية الدولية، في حين غفلت عن الإشارة الى «أمر واقع» تكرس منذ فترة غير بعيدة، بعزل اللبنانيين عن التواصل المالي الخارجي من داخل البلاد!
بكل بساطة، لا يستطيع اللبناني التواصل ماليا (من الداخل) مع جهات أو أفراد خارج البلاد، بسبب قطع التحويلات الخارجية، وقصرها على تلك النقدية من خارج العمليات المصرفية. أموال باتت تعرف بـ«الدولارات الطازجة»، والمقصود بها تلك التي يخرجها اللبنانيون الى التداول من خارج تلك المقيدة في حساباتهم المصرفية بعد اندلاع الاحتجاجات في 17 أكتوبر 2019.
ومن يُرد من اللبنانيين السفر الى الخارج لتمضية عطلة او الإقامة خارج البلاد، فعليه تدبير أموره المالية بالأوراق النقدية، في ضوء توقف خدمة البطاقات المصرفية الصادرة من مصارف لبنانية عن العمل. ونعني هنا بالبطاقات كافة أنواعها، وخصوصا بطاقات الائتمان الموصولة بشركات عالمية، اذ بات استعمالها يقتصر على الأسواق الداخلية اللبنانية، لمن يقبل نيل مستحقاته عبرها، وهذا أمر نادر. في حين ان البطاقات تتيح لحامليها حاليا تسديد مبالغ لا تتجاوز سقف الـ 50 دولارا شهريا لأصحاب الحسابات الكبيرة، و25 دولارا لأصحاب الحسابات المتوسطة. بطاقات يقتصر استعمالها على تسديد رسوم منصة «نتفلكس» للبث التدفقي البالغ معدلها 10 دولارات شهريا، الى مصاريف خاصة بتطبيقات مدفوعة اخرى.
محظيون من تركت بطاقاتهم صالحة لدفع هذه المستحقات، ذلك ان مصارف عدة أبلغت زبائنها بوقف مفاعيل بطاقاتهم دون تقديم سبب بات معلوما: كيف تدفع المصارف دولارات الى جهات خارجية، في وقت بات هناك ما يعرف بـ «اللولار» اي الدولار اللبناني؟
يتحدث مدير إقليمي (اشترط عدم ذكر اسمه) في مصرف لا يزال يعتبر مليئا في لبنان والخارج لـ «الأنباء» عن «كون القصة تتعلق بإمكان التسديد الخارجي بمبالغ ضخمة من حسابات الدولارات الطازجة التي يتلقاها بعض الزبائن من تحويلات خارجية، او من مؤسسات خارجية تدفع رواتب موظفيها المقيمين في لبنان بالعملة الخضراء». ويشير الى «ان الأمر ممكن في حال موافقة الزبائن على ربط بطاقاتهم الائتمانية بحساباتهم هذه، وتمكين المصارف السحب منها مع احتساب الفوائد وغيرها، الا ان الزبائن يفضلون في هذه الحالة الدفع نقدا، وتاليا حمل اموالهم من الأوراق النقدية، او السحب ببطاقاتهم غير الائتمانية والخاصة بالدولارات الطازجة من الخارج بعد التأكد من عملها وفقا للمصارف الداخلية التي يتعاملون معها».
في الغالب يفضل اللبنانيون حمل أموال السفر نقدا، خصوصا ان مصرفين او ثلاثة يتيحون لزبائنهم سحب دولارات نقدية «طازجة» من أجهزة الصراف الآلي التابعة لهم في كافة المناطق. بينما خصص مصرف معروف ثلاثة أجهزة فقط من الصرافات الآلية في كل فروعه المنتشرة في لبنان لسحب «الدولارات الطازجة» في صيدا وطرابلس وسن الفيل (جبل لبنان).
قيود مصرفية مشددة قصرت استعمال البطاقات الممغنطة لسحب الاموال بالعملة المحلية من أجهزة الصراف الآلي، ووفق قيود من قبل المصارف لا تتيح للزبائن سحب ما يوازي قيمة 800 دولار أميركي بحسب سعر صرف العملة الخضراء الفعلية، والتي تعرف بـ «السوق السوداء».
انهيار شبه كامل للمنظومة المصرفية، وعزل عن «العالم الخارجي»، يعيد اللبنانيين الى زمن الأوراق النقدية، سواء بحفظ أموالهم في البيوت، او بحملها الى الخارج في حال السفر. الا ان تداعيات كورونا، خففت من حجم القلق في شأن السفر، ذلك ان السياحة متوقفة، وتقتصر الرحلات على زيارة الأهل او الأقارب، او لمن يملكون منازل وتاليا حسابات مصرفية في الخارج.
قيود وعودة بالزمن المصرفي الى الوراء، الى حقبة دون ستينيات القرن الماضي، حقبة يبدو الخروج منها غير متاح في هذا الزمن.