إرموا بطاقات الهويّة والإنتماء… نحن أبناء “إمبراطورية مارك”
إبراهيم درويش
——–
لقد أصبحنا جميعا بلا هويّة، وما عادت تلك البطاقات التي نحملها سوى بطاقات شرفيّة تعرّف عنا، بعد ترنّح دولنا، وتحوّل السلطات الى هيئات مشرفة وجباة ضرائب، وفارضي خوّة، في إطار علاقة هي أبعد ما تكون عن نظريّة العدالة الإجتماعيّة، والتقديمات المتبادلة.
شريحة كبرى من أفراد مجتمعاتنا فرّت وهاجرت بأجسادها الى دول نرجمها كل يوم، ونحذّر من مشاريعها الخارجية، وسعيها الى تدمير مجتمعاتنا.
أثبتت التجارب أنّ المخاوف من رياح خارجيّة، والمشاريع المشبوهة ليس سوى رواية تدغدغ ما يسمّى بالعنفوان الوطني، فلو توقّف الخارج عن منحنا الأعذار، لمسخنا مجتمعاتنا بأقلّ كلفة، وحوّلناها الى مسارح دمى متحرّكة بلا روح ولا طموح ولا أمل، ولا مقوّمات نهوض أو أفق مشرقة، في كنف أوطان، لم يعد هناك ما يجمع بين أبنائها، سوى القهر والوجع، والشعور بالغبن.
لم يعد ها هنا أي من الذين لم يغرهم الرحيل والإرتحال. الجميع باتوا يبحثون عن أوطان تشبه أحلامهم الساذجة، باتوا موهني القوى، إستحالوا أجساداً بلا روح، حتى الروح فرّت منهم، فاستوطنت في عوالم الخيال…
لكن أين ارواحهم! وآمانيهم وأحلامهم! اتراها ارتحلت قبل فنائهم؟
أولى إرهاصات العولمة والقرية الكونيّة الصغيرة هي نجاحها التام في فصل الروح عن الجسد، وأسر عقول شعوب العالم الثالث، والعرب بشكل أعمّ واللبنانيين بشكل أخص في سجن عوالم التواصل الاجتماعي، بعدما استوطن اليأس بواطنها، وضاقت ذرعا من أسواط جلاديها، فارتمت في حضن الخيال، في حضن اللا واقع، مسارعة الى اللجوء المجاني لعالم مارك الجديد.
ما المانع من ذلك! هي تجربة مشجّعة للانتماء الى عالم سوريالي… نفرض فيه شروطنا، ونمارس فيه حريّاتنا من دون رقابة، بما فيها الحريّات التي لا نستحقّها، والهدّامة منها.
إستكمل فيروس كورونا، موجة الهجرة والنزوح، الى مدن التواصل الاجتماعي، بعدما فرغت المقاهي من روّادها، والشوارع من عابريها، والبيوت من زائريها.
لكن ماذا بعد! ها هو “مارك” بدأ يؤطّر عالمه الجديد، ويثبّت دعائم قوانيه، ويلزمنا بها التزاما تاما محكما، فيقوّض حريّة البوح والرأي، ويفرض سياسات تناسب الرؤى المرسومة، وبات يرتهن ملايين المنتمين الى عالمه، ولم يمنح مواطنيه الهويّة، بل شعّبهم، وعمّق هُوّة الإختلاف بينهم، وأخضعهم لسنن الشبكة العنكبوتية، لا بل قبض بإحكام على أرواحهم وحتى أعمارهم، التي باتت مقترنة، بكبستي “لوغ إن” “ولوغ أوت”… أو توقّف للإنترنت، واغلاق حساب، او خلل وعطل في الشبكة العنكبوتيّة.
بعد، كل هذا، قد يكون الوقت قد حان لنسأل الى أي “وطن ننتمي”!