الحرب الكبرى الطاحنة… بين القراءات والتنبؤات والمعلومات والتهويل

إبراهيم درويش- العربي المستقل

يتعامل كثيرون من سياسيين وصحافيين وإعلاميين مع الحرب، كما لو أنها بدأت اليوم، أو أنها قد تبدأ في الساعات القليلة الماضية، كما ولو أنّنا لسنا في اليوم الـ 320 من عمر حرب طاحنة، دمّرت ما دمّرت في قطاع غزة، وتواصل تنفيذ مخطط مدروس في الضفة الغربية، في ظل ما تشهده من توحّش اسرائيلي واعتقالات وتصفيات واستبسال للمقاومة الفلسطينية، الى حرب ملتهبة على الساحة الشمالية لفلسطين المحتلة، وما يقابلها من أعمال عسكرية اسرائيلية، اتسعت رقعة أهدافها لتطال مناطق عدّة على الاراضي اللبنانية، لا يمكن عدم الاشارة الى انها طالت الضاحية الجنوبية لبيروت، في استهدافين منفصلين.

وما بين المفاوضات، والردود المرتقبة من أركان محور المقاومة، تشهد الساحة الشمالية لفلسطين المحتلة، تدحرجات للاعمال الامنية والعسكرية، على ايقاع حملات تهويل كبيرة، بأن الحرب الشاملة واقعة حتما، وبانها ستكون في غضون ساعات او أيام، ما يرفق بحملة كبيرة من الإشاعات الرخصية، والممنهجة.

وهنا لا بد من الاشارة، وأسقط من دائرة كلامي، الذين هم ليس في صلب مهامهم، صناعة الخبر، وتشريح المعطى، او نقل المعلومة أو محاولة القراءة في سطورها وفي أبعادها. جميعنا، نبني قرءاتنا، على معلومات، أو مؤشرات، وما لا يدركه البعض، أن بعض أصحاب القرار أحيانا، يرتكزون الى تمرير الرسائل التي يريدونها عبر قنوات إعلامية، فيما يرتكز المسار الآخر على قراءة المؤشرات، وايضا، نكون هنا امام احتمالين، وأن تكون:

– المؤشرات غير صحيحة، او غير واضحة، او خاضعة للتأويلات المتعددة.

– القراءة في المؤشرات خاطئة، او غير موفقة، او سليمة في مبناها، لكنها لم تخلص الى الخواتيم الاستشرافية المناسبة مع الواقع والمتغيرات، وأسقطت من حساباتها ما لم يقل، أو ما لم يحصل، أو ترشح عنه اي مؤشرات، أو ما يتم التحضير له، بعيدا من الميدان، وفيما خلف المسارح الميدانية العلنية.

وفي معرض القراءة، لا بد من الاشارة، الى أن أي مسار عسكري، يحتاج الى مسار زمني محدد، ويحتاج الى أهداف واضحة، قابلة للتحقيق، أو هناك احتمالية ضئيلة لتحقيقها، فالحرب، لم تكن يوما من اجل الحرب، بل في خدمة الأهداف، وهنا لا بدّ من التذكير، الى ان الولايات المتحدة الاميركية منذ بدء طوفان الاقصى، سعت الى تشريع وتكريس حق كيان الاحتلال الاسرائيلي، في القيام بما يراه مناسبا، لاستعادة ما يحتاجه من بطش وعنف يرتكز عليهما، لاستعادة اليد الطولى في المنطقة، بعد ان تم تهشيم قدراته الاستخباراتية، والردعية، والدفاعية في السابع من اكتوبر.

وفي هذا الاطار، لا بد من الاشارة الى أن كيان الاحتلال الاسرائيلي قاتل، في قطاع غزة بلا سقوف إنسانية وأخلاقية وقانونية، ولم يستطع في غضون 320 يوما، من تحقيق أهدافه، واستعادة اسراه، وتثبيت نقاط آمنة، ومنع حماس وفصائل المقاومة، من اعادة تنظيم انفسهم، وبالتالي فان حربا من دون ضوابط وسقوف، ربما تساعده على زيادة مساحات الدمار والقتل والتصفيات، لكن يبقى السؤال، هل ستساعده على استعاده ردعه، أم انها، لن تردع عنه استكمال تهشيم صورته الردعية؟ وانها ستستكمل هز مداميكه وأركانه، هذا اذا سلمنا جدلا، ان الولايات المتحدة، اتخذت قرارها، بالدخول في مواجهة مباشرة في منطقة الشرق الاوسط.

وهنا، لا داعي لتكرار المكرر، والعودة الى ما قبل السابع من اكتوبر، والتذكير بالسنوات التي نجحت فيها “حماس” بخداع العالم بما فيه الكيان بأجهزة استخباراته، وقارئي سطور ومستشرفين بأنها لم تقاتل مجددا، حتى جاء السابع من اكتوبر، ليفتح المنطقة وربما العالم على متغيرات لم تكن في حسبان احد.

وهنا يمكن ان نستنتج في ان الحقيقة، لم تكن يوما محصورة بما يُرى، او بما يُقرأ، ولا يمكن لاحد أن يسقط من حساباته احتمالية الحرب الواسعة، كما لا أحد يمكن ان يسقط من حساباته احتمالية عدم حصولها. للعقل والمنطق مسارات، وللجنون واللا منطق مسارات أخرى، لكن بقراءة، وبحسابات العقل، وبحسابات الورقة والقلم، يمكن القول، أن الكباش لا زال على الشفير، لكن لو كانت حسابات الورقة والقلم، هي المستنار بها، لما كان حصل كل هذا، وكل ما يمكن ان يحصل.