استراتيجيّة رفح… المسمار الأخير!

إبراهيم درويش- العربي المستقل


استراتيجيّة مختلفة، تخوض بها فصائل المقاومة، معركة رفح، بما يدلّل الى دراسة وتخطيط ومرونة ميدانيّة متجددة، مستندة الى رؤية وفهم لذهنية العدو، ولأوراقه المستخدمة، ولمسار المعركة، ما يمنح المقاومة عناصر قوّة، لها القدرة على إبطال مفاعيل الحرب ضدها، وتكبيل العدو بوابل من الإرتدادات السلبيّة، ويكسر ما حاول جيش الاحتلال ترميمه، على امتداد الأشهر الثمانية الماضية، لتنتهي مفاعيل هذه الحرب باعادة هذه الحقبة، الى يوم السابع من اكتوبر، في ظل ثبات المقاومة، وتدرّج أدائها، وقدرتها على امتصاص الوحشية الاسرائيلية، المرتكزة الى دعم مفتوح وجسور إمداد جوية وبرية وبحرية، لتسوية القطاع بالأرض، وقتل كل ما يمتّ الى مظاهر الحياة بصلة.

ما كادت ساعات قليلة تمرّ على إعلان الناطق باسم كتائب القسّام أبو عبيدة، عن تنفيذ عمليّة عسكريّة مركّبة عصر السبت شمالي قطاع غزة واستدراج قوة صهيونيّة إلى أحد الأنفاق، وقوع من فيها بين قتيل وجريح وأسير، حتى طالت صواريخ القسام أمس ” تل ابيب”، قبل أن تستكمل المقاومة عمليّة إطلاق الصواريخ نحو غلاف غزّة.

تكتيكات المقاومة، والإبداع الميداني، في نوع العمل القتالي، ولناحية التوقيت والظروف، بما تشكّل من إنعاكسات مباشرة على مسار الحرب، وعلى مستقبل المنطقة بأسرها، بما يشكل سياقا رئيسا في شكل العالم الجديد، لا بدّ من قراءتها استنادا الى مجموعة مرتكزات:

– ثمانية أشهر لم يستطع فيها جيش الاحتلال الاسرائيلي تحقيق أي إنجاز عسكري، ولا تحقيق أي من الأهداف التي طرحها في بداية عدوانه على القطاع.

– حاجة الجيش الاسرائيلي الى كل هذا الدمار، واستهداف المدنيين والآمنين، يسقط عن هذا الجيش، صفة الاحترافية، ويبرز صورته على أنه جيش عشوائي، يعمل من دون استراتيجيات وخطط وآليات، قادرة على بلوغ أهدافها وفقا لتكتيكات وتخطيطات محكمة.

-الفشل المتواصل للأجهزة الاستخباراتية والعسكرية والأمنية في الكيان مع استمرار الحرب وعجزهم عن تطويع المسار العسكري في خدمة مخططاتهم.

-التراجع المتواصل في تصنيف الجيش الاسرائيلي منذ السابع من اكتوبر، بما ينعكس على القيمة العسكرية لأسلحته، لا سيّما، تلك التي يبيعها ويسوّق لها، والنظم التجسسيّة والاستخباراتية والردعيّة.

– نجاح المقاومة في تثبيت واقع أنّ لا نقاط آمنة على أرض غزة، حتى تلك التي ادّعى الكيان تطهيرها بالكامل.

– التكتيكات المتجددة للمقاومة، ونجاحها في الرصد والتعقب، والتصوير فالتنفيذ، واجراء عملية المونتاج اللازمة، والنشر في غضون ساعات قليلة.

-اللعبة الاعلامية التي تحسن المقاومة ادارتها، في تظهير ارتكابات العدو، واظهار اخفاقاته الميدانية وبطولات المقاومين.

-توسّع رقعة مساحات الإحتجاج الدولي في وجه الارتكابات الوحشية لهذا الكيان، إن كان على المستوى السياسي، ام على المستويين الشعبي والحقوقي.

– المسار القانوني وقرار محكمة العدل الدولية بأنه يتعيّن على “إسرائيل” الوقف الفوري لهجومها العسكري على مدينة رفح.

– إنعكاس الإخفاقات الاسرائيلية على أصدقاء وداعمي هذا الكيان، لناحية الأسلحة المعتمدة، ولناحية الرأي العام الساخط على هذا الدعم المفتوح.

-قدرة المقاومة الفسلطينية بعد 8 أشهر على الرصد والتعقب والتخطيط والتنفيذ والتصوير والتوثيق وسرعة النشر.

-التراجع المتواصل في مصداقية الجيش الاسرائيلي، ولا سيما بعد فقدان الكثير من المستوطنين الثقة بقدرته على استعادة الهدوء ولا سيما بعد الاعلان السريع عن عدم وجود اسرى، فيما وثق فيديو وزعته “حماس” مشاهد اولية للعملية، وللعتاد.

– الحالة غير الطبيعية التي فرضها حزب الله على الجبهة الشمالية في ظل معركة طويلة من الاستنزاف مع العدو والذي تجسد مؤخرا، باعلان السلطة المحلية في مرغليوت بالجليل الأعلى وقف التواصل مع الحكومة الإسرائيلية، والطلب من الجيش سحب قواته احتجاجا على إهمال الحكومة سكان الشمال.

-التخبط السياسي الداخلي الاسرائيلي، وتشعب الملفات، والانقسام العمودي في القراءات والمقاربات، ولا سيما حول المواضيع المرتبطة بالتجنيد، والمسؤوليات المترتبة على المسؤولين قبل السابع من اكتوبر، وعلى أصحاب القرار إبان الحرب.

– اقتراب موعد الانتخابات الاميركيّة، وما ستحتاجه إدارة الرئيس الاميركي جو بايدن من نقاط توظفها في صناديق الاقتراع، والصراع الذي تخوضه ما بين تأمين مصالحها ومصالح الكيان، وعدم اتساع رقعة الحرب، وعدم خسارة أصوات الكتلة العربية والكتلة اليهودية في الانتخابات المرتقبة.

– هذا الالتصاق الفلسطيني بالارض، على الرغم من أبشع انواع الارتكابات بحق الشعب الفلسطيني، والأثقال التي ترميها الضفة الغربية على كاهل الكيان.

– جبهات الاسناد، التي لم ترتدع، بل ذهبت بعيدا في التشبيك مع جبهة عزة، ولا سيما فيما يتعلق بالجبهتين الشمالية، والدور التصاعدي الذي يقوم به اليمن، من ابتكار وابداع، وصولا في البحث عن ادوات اطباق الحصار على الكيان، حتى لو ادى الأمر الى مواجهة طويلة مع الولايات المتحدة الاميركية.

جملة من النقاط، تقلّص هوامش الخيارات لدى كيان الاحتلال، في ظل التعقيدات التي تفرضها المقاومة، وتسدّ الباب امام اي متغيّر يمكن للاسرائيلي فرضه، يعيد به عقارب الساعة الى الوراء، وتحديدا الى ما قبل السابع من اكتوبر.