الطفلة نايا حنا.. خيانة الأمل أشدّ وجعا من انعدام وجوده

إبراهيم درويش_العربي المستقل

ربّما أرادت تلك الأيام التي أمضتها على سرير المعاناة في المستشفى، كيّ قلب أهلها على مراحل، قبل الفاجعة الكبرى .

قطعا، ليس هناك ما يجعل المصيبة أخفّ وطأة على قلب ذويها، فخيانة الأمل قد تكون أشد وجعا من انعدام وجوده.

حتما، كان السؤال اليومي لوالدتها، هل أرفع غطاء سريرها وأحضّر طعامها الذي تحبّ وأبعثر العابها بفوضويّة في أرجاء المنزل، بعدما قتلني هذا الترتيب والسكون القاتلين؟ هل تحصل معجزة قبل أن يستحيل هذا القلب وما فيه رمادا عصيا على الخفقان؟

أي وزر ذلك الذي رمي فوق كتف أبيها الذي سيشخص كثيرا الى ذلك الباب، علّ ضحكتها تعبر من خلاله، لتطفئ النار في صدره.

الموت حقّ، وهذه سنّة الحياة، وليست نايا حنا الطفلة الأولى التي تنسلخ عن صدر أمّها في خريف القدر، لكن ما يجعل الوجع أكثر ايلاما، سقوطها المجاني على يد لا مسؤول، مهمل، تحوّل الى قاتل، حتى لو يكن راس الطفلة هدفه، وذلك بعد أن قرر ان استقرت رصاصة طيشِه الفرح في رأسها، لا لسبب، الا لأن البعض لم يعد يرى الا في أدوات الموت، وسائل تعبير عن الحزن والفرح والغضب، وحتى التململ والملل، بعد ان استسهل البعض كل شي، حتى الموت.

 قُتلت نايا حنا برصاص طائش من سلاح بيد أب قرّر أنّ نجاح قرّة عينه، يستوجب إفراغ زخيرة سلاحه، فوق رؤوس جثث مؤجلة، تنتظر بلا ذنب، احتضان رصاص فرح الآخرين.

 لن تكون نايا حنا القتيلة الأخيرة هنا، فالقتل لم يصبها وأهلها فقط، بل ثبّت ما نقوله، اننا جميعا هنا، جثث متنقلة، وضحايا لدولة مهملة، لخارجين عن القانون، لقتلة في سيارات هوجاء تعبر الشوارع بلا أدنى مسؤولية، لإهمال طبيب تاجر، لجشع تاجر فاسد وغشاش، لتقصير وتلكؤ أمني، ولخيانة قاض، ولارتزاق مسؤول، وما دامت الأرواح هنا، تزهق تحت عناوين القضاء والقدر، وما دام القانون أعجز عن المحاسبة والمساءلة والردع الاستباقي، وما دامت يد  السياسة طولى في القضاء والأمن.

أخيرا، إن لم تنجح وفاة نايا حنا، في لجم نزعة القتلة، وتشكيل رأي عام عريض، لا يمتنع عن إطلاق الرصاص العشوائي، بل يلجم مشاريع القتلة، ويمنعهم من إتمام جرائمهم، ويلفظهم، ويشي بهم لو فعلوا، فذا يدلل الى أنّ الطفلة نايا حنا، هي من أبصرت الحياة، يوم نعت مجتمعاُ مات منذ زمن.