إبراهيم درويش- العربي المستقل
بعيدا من حسابات الأرقام، والكباش السياسي القائم، وإرهاصاته المحليّة-والاستراتيجيّة البالغة الأثر، ولأن ترف المناورة قد ضاق كثيراً حول عنق الوطن، ولأنّ الأربعاء، وحتى تاريخه، بالمعطيات، والتحليل، والإتّصالات، لا يشي الا بمعسكرين في الداخل، وجمهور غفير في الخارج، سيتوشّح مختلف شعارات الإنقسام والتجاذب، وصولا الى الكراهيّة المقيتة، وانعكاساتها على الأمن الاجتماعي، والوضع الاقتصادي المأزوم.
ولأنّ الكتل السياسيّة تعلم وشبه متيقّنة بأن الأربعاء، لا فرصة سانحة لانتخاب رئيس، بل سنكون أمام جولة طاحنة من الاصطفاف المنظّم، الذي لا مفرّ من أن يلبس لباسه المذهبي والطائفي، ولعِلم الجميع بأن الكرسي الرئاسي وعلى أهميّته، ما هو الا حلقة من سلسلة أزمات واستحقاقات لبنانيّة مفخّخة، لا يمكن أن تنتج حلّا، الا عبر توافق وإرادة خارجيّة، وإما عبر تعويم وغلبة داخليّة مدعومة بإرادة خارجيّة زاجرة، واضحة وصريحة.
ولأنّ الجزء اليسير من مكوّنات هذا البلد، ومنذ العام 2019، لم تجد أي ضرورة في التحاور والتشاور، ليس لإنقاذ البلد، ولا للحدّ من الإنهيار، بل لجعل الإنهيار أقلّ وطأة، والقاع أقل قعراً، ولأن المشهد بعيداً من حكايا وشعارات الديموقراطيّة المنمّقة،هو تكريس صريح، للانقسام الخطير في البلد، وقد يفتح الباب أمام مرحلة حبلى بالألغام.
يصبح السؤال، ما الجدوى من التوجه الى جلسة، يدرك الجميع أنها لن تفضي الى انتخاب رئيس؟ ويدرك الجميع أنه حتى وإن حصلت معجزة، وخلصت الجلسة الى انتخاب رئس، فلن يكون قادرا على تحريك ساكن في البلد، في حال غابت كلمة السر الخارجية، وغابت الرؤية اللبنانية الحقيقيّة الجامعة، لمحاولة الإنقاذ على إيقاع المتغيّرات في المنطقة.
وبناء عليه، يصبح لزاما، العودة الى لبّ الأزمة اللبنانية، والمتمثّلة في أيّ لبنان نريد،او هل فعلا اقتنع الأطراف في لبنان، ان الأزمة اخذت حيّزها الخطر، وان المشروع الناعم الذي هدف الى تفجير الوضع في لبنان قد استنفذ أوراقه، وأن آثار هذا السياق ستكون بالغة الاثر في المستقبلين القريب والبعيد، على مختلف مستويات الحياة في لبنان، وهذا ما قد يخلص بنا الى خيارين، اما إنتخاب رئيس يحظى بالحد الادنى من التوافق الداخلي، ويملك القدرة على الحوار مع دول الجوار، مواكبة للمتغيّرات، بدءاً من الجارة والعمق الاستراتيجي الوحيد لهذا البلد (سوريا)، الى السعودية ودول الخليج، لإعادة ترميم العلاقات، او التوطئة لها.
اذا افضل الخيارات تجنّب الصّدام، او بالحدّ الأدنى عدم كسر القشة الاخيرة التي تجمع المكوّنات اللبنانيّة، وعدم النفخ في بوق التوتر والانقسام، وإقرار الجميع، بما يعرفونه ويخفونه، بان هذا النظام، حين وُضع، كان توأمه التعطيل، والتأثر بالخارج، وبأن لا عبور نحو الحد الأدنى من أشكال الدولة، من دون نظام جديد، يراعي المتغيّرات، ويحتوي الهواجس، وهنا يكون على الضنينين والحريصين، ورعاة التقارب، سحب جسلة الأربعاء من باب النزال الطاحن، الى موقع الاستحقاق الوطني الطارئ والعاجل، الذي يستوجب مقاربة وطنية، ورفعة وترفعا، قبل فوات الأوان، علها تحدث خرقا، يبنى عليه، لوقف هذا النزف القاتل.