أصبتني في مقتل يا موسى… وعمّقت فوالق الوجع والحزن في جرجوع

 ابراهيم درويش- العربي المستقل 

يا حروف الوجع تراصفي وانتظمي، فقد ضاق في كظمك الصدر، ولليوم الثاني ما جفّ حبر العين نزفا.

أكثر من اربع وعشرين ساعة، مرّت على  الفاجعة، على الملمّة، على الكارثة، ما عاد التوصيف مهما، في زمن تكالبت فيه الاوجاع والأحزان وسكاكين اللصوص وتجار الازمات، زمن استحكم فيه حثالة الناس برقاب الشرفاء، وراحوا يحزونها بدقة، حد المعاناة القصوى ومراعاة عدم قطع حبل الوريد.

غفلت عيني عن هاتفي صباح امس، لمدة نصف ساعة، الى ان وجدتك مدسوسا في عشرات الرسائل.

أردت البحث عمّن  يكذّب الخبر، فهممت اطلب أرقاما لا تجيب، كنت أبحث عمن يخبرني أنك في المستشفى، أنك بحال خطرة، وتحتاج صلاتنا ودعاءنا، لكن يا لقلة حيلة أمانينا.

في جرحي الكثير لأنزفه، ولكني كلما غرست يراعي فيه، ازداد الجرح عمقا والتهب، وتصلبت اوردتي، فلطالما كانت جرجوع، ملاذنا، ومصفاة همومنا، ولكن ما بالها، جفّت أفراحها، وطرّزت ربيعها  بأسود حالك؟

سألني كثيرون هل تعرف موسى الشامي؟

من مثلي يعرف موسى؟  ومن مثلي جمعته بموسى، أسمى لحظات العطاء، يوم دغدغنا الحماس، للانخراط في العمل الاجتماعي، فكان موسى، أول المبادرين، وأكثر المندفعين، والاقرب الى قلب الناس، واقلنا تكلفا في التواصل معهم، حملنا احلامنا وسرنا بها، كنا نأمل ان تأخذنا بعيدا، الى ان اصطدمنا بالعوائق، والانشغالات، وابتعدنا وتباعدنا، وراح كل فينا يلهث خلف تأمين قوته، ورزق عائلته، لكن لم ينقطع التواصل بيننا يوما، واستحال موسى واصدقاء شقيقي الاصغر، إخوة جمعتنا اجمل ليالي جرجوع وخارجها.

في البال، فائض من ذكريات جميلة، يبدو انها الدخيرة الوحيدة التي عصت على اللصوص والفاسدين والمتآمرين.

إستبق كثيرون دفن موسى، بتحليلاتهم، حول كيفيّة موته، والأسباب التي أدّت لذلك، وراحوا يفتحون صفحاتهم، ليحدثونا عن القيم. أنتم البعيدون، في لحظة المصاب، يهمّكم هذا، تقاربونه كتراند، تبدون رايكم فيه من وجهة نظركم. أما نحن، أهله، واخوته، واصدقاؤه، وأبناء قريته، فما يعنينا في هذا  اللحظات أن موسى قد مات.

هل لنا ان ان نطالبكم بان تصمتوا، وبأن تدعوا روحه الباحثة عن الراحة، تركن الى عدالة ربها، هو ارحم بعبيده، واؤكد وعلى مسؤوليتي أن في جعبة موسى الكثير، الكثير، من أعمال خير، لا تتسع لها جعبكم الوسخة، فاقطعوا السنتكم، واتركوا اهله، يلوذون رحمة الله، وبعدها قاربوا الموضوع  من جوانبه التي تريديون

ومع تسليمي التّام بمشيئة الله، وإيماني بضرورة الحفاظ على الروح(أسمى عطايا الخالق) وعدم التفريط بها، الا أنّ الخلاصة الوحيدة في هذا الوقت، أن موسى رحل، وسواء كان السلاح بيده او بيد غيره، فهناك ثلّة  أطلقت النار على صدورنا جميعا،  بعضنا نجا، والبعض الآخر يتحسس كل يوم مقتله. وما بين قتلنا أنفسنا، وقتل من يقلتنا، يجب أن يموتوا هم، وأن نفكّر جديا في كيفية منعهم من قتل من تبقوا هنا.