تقرير عن الكرة النسائية مع أسيل طفيلي

الكرة النسائية فرصة استثمار مثالية للأندية اللبنانية

حقّق المنتخب اللبناني للناشئات مؤخّراً لقب بطولة غرب آسيا بعد تحقيقه الفوز على المنتخب الأردني بهدفَين نظيفَين مُحتفظاً بلقبه الذي حقّقه في العام 2019، وهو لقبٌ قارّي جديد على صعيد الكرة النسويّة يُضاف إلى خزائن الاتحاد اللبناني لكرة القدم.
لكن خلف هذا اللقب والألقاب النسائية الأخرى التي سبقتهُ، بدعم كبير من الاتحاد اللبناني لكرة القدم تحدّيات يومية تواجهها “بطلات الأرز”، إذ إنّ اللعبة لا تزال تحتاج الى مقوّمات الاحتراف واللاعبات يمارسنَ لعبتهنّ كهواية ويُدركن أنّ فرص احترافهنّ متوافرة في الخارح فقط.
في السنوات القليلة الماضية، خصوصاً بعد منافسات كأس العالم للسيدات التي أُقيمت في كندا عام 2015، أدركت الأندية العالمية أنّ كرة القدم النسائية هي مكوّن رئيسي لا بديل عنه في عالم المستديرة مستقبلاً، لأنّ المواهب متواجدة وبكثرة ولا ينقصها إلّا الرعاية والاهتمام. بالإضافة إلى أنّ الأندية النسائية التاريخية كأولمبيك ليون الفرنسي الذي حقّق لقب دوري أبطال أوروبا للسيدات 8 مرات، أرسنال الإنكليزي وفولسبورغ الألماني، قرّرت زيادت استثماراتها في كرة القدم النسائية.
في الدوري الإنكليزي، تملُك أندية أرسنال (الأبرز في إنكلترا)، تشلسي، مانشستر يونايتد، مانشستر سيتي، ليفربول، وحتّى أستون فيلا وتوتنهام اليوم فرقاً نسائية تابعة لها، تحظى باهتمام مَلحوظ من الإدارة، ويوُضَع في تصرّفها جميع العوامل الأساسيّة لتطوير لاعباتها: من الميزانيات الضخمة، إلى المدرّبين والمُعديّن البدنيِّين والإداريِّين المحترفين والمتخصِّصين، بالإضافة إلى الملاعب والتجهيزات والخبرات الطبية.
ممّا لا شكّ فيه أنّ العامل الأبرز الذي أدّى إلى هذا التطوّر السريع للعبةٍ كانت التغطية الإعلامية للمباريات والبطولات ضعيفةً فيها. ففي عام 2021 بعد تجربةٍ أولى ناجحة، قرّرت شبكة “سكاي سبورتس” الإنكليزية تجديد تغطيتها للدوري الإنكليزي الممتاز للسيدات بعقد قُدِّرت قيمته بحوالى 20 مليون دولار سنوياً.
ويعود الفضل في النجاح الذي شهدته كرة القدم النسائية الإنكليزية إلى الخطّة التي وضعتها لجنة تطوير الكرة النسائية في الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم عام 2017، مشدّدةً على ضرورة تطوير البنية التحتية الخاصة بالكرة النسائية، تحسين الآفاق التجارية في اللعبة عبر زيادة الاستثمارات، تعزيز المكانة الاجتماعية وقيمة المنتخب النسائي في المجتمع الإنكليزي بالإضافة إلى زيادة عدد اللاعبات الناشطات في الأندية، خصوصاً على صعيد الفئات العمرية.
في عام 2022، استضافت إنكلترا كأس أوروبا للسيدات فحقّق منتخبها اللقب بفوزه على المنتخب الألماني في المباراة النهائية التي أُقيمت على ملعب “ويمبلي” الشهير بحضور جماهيري قياسي بلغ 87,192 ألف مشجّع. علماً أنّ الحضور الجماهيري لم يقتصر على المباراة النهائية فحسب، إذ إنّ أغلب المباريات أقيمت في ملاعب ممتلئة.

لبنان للإفادة من التجارب الأخرى التجربة الإنكليزية
مثالٌ حيّ على النجاح الذي تحقّقه كرة القدم النسائية إذا ما تمّ الاستثمار فيها كما يجب.ومع النتائج المميزة التي تحقّقها المنتخبات النسائية اللبنانية، يجب على الأندية تغيير سياساتها والاستثمار في كرة القدم النسائية.
في السعودية، أسّست الأندية العريقة كالهلال، النصر، الأهلي والشباب فِرق سيدات للمشاركة والمنافسة في الدوري السعودي الممتاز للسيدات. وعلى الرغم من الانطلاقة المتأخّرة لكرة القدم النسائية في المملكة، إلّا أنّ اللعبة بدأت تحظى بمتابعة ملحوظة ولعلّ السبب الرئيسي هو امتلاك هذه الأندية شعبيةً جماهيرية كبيرة.
في حديث مع اللاعبة اللبنانية ديما الكستي، المحترفة حالياً مع نادي الهلال، شدّدت على أنّ اللاعبات يحظَينَ بمتابعة إعلامية وشعبية كبيرة بسبب تمثيلهنّ لنادي الهلال الملقّب بـ”الزعيم”.
في الدوري اللبناني للسيدات، لا يملك سوى ناديَي الأخاء الأهلي عاليه والسلام زغرتا فريقاً للسيدات، لكنّهما بعيدان عن المنافسة على الألقاب. فيما تغيب الفرق النسائية عن كشوفات أندية القمة كشباب الساحل، النجمة والأنصار. والجدير بالذكر أنّ نادي الأنصار ساهم في تطوير اللعبة عند بداياتها، عندما أسّس فريقاً نسائياً عام 2007 وعامَل لاعبتاه كمحترفات، إلّا أنّ ظروف النادي المالية أدّت، بحسب مصادرنا، إلى حلّ الفريق.
أمّا في كرة السلة، فتملُك أندية الرياضي، بيروت، هومنتمن، الأنترانيك وهوبس فرقاً نسائية، وتقدّم إلى معظم لاعباتها دعماً مادّياً يسمح لهنّ بتكريس وقتهنّ لكرة السلة وتطوير أنفسهنّ.
كما أنّ هذا التنظيم الذي تشهده اللعبة يؤدّي إلى نقل بعض المباريات على شاشات التلفاز أو على “يوتيوب”، ممّا يؤدّي إلى تعرّف اللبنانيِّين الى لاعبات الفرق المحلية والمنتخب الوطني، أمثال ريبيكا عقل وعايدة باخوس اللتَين أصبحتا غنيّتان عن التعريف. فيما نفتقر في كرة القدم إلى لاعبةٍ مشابهة تحترف في أندية أوروبية عريقة وتحظى بمتابعة قارية وعالمية.
ما الذي يمنع أندية كرة القدم اللبنانية من تأسيس فرق نسائية وتطوير اللعبة؟
إنّ تأسيس نادي النجمة، صاحب القاعدة الجماهيرية الأكبر في لبنان لفريق نسائي من شأنه تسليط الضوء على اللعبة، جذبَ المستثمرين بالإضافة إلى تغيير نظرة شريحة من المجتمع اللبناني التي لا تزال تعتبر أنّ كرة القدم حكرٌ على الرجال.
أمّا من الناحية المادية، فلن تؤثّر هذه الفرق النسائية على الميزانيات الضخمة التي تضعها الأندية على فِرق الرجال وعقود لاعبيها الباهظة. إذ إنّ ميزانيات أندية كرة القدم النسائية اللبنانية حالياً تقتصر على تكاليف استئجار الملاعب للتدريبات والمباريات، بالإضافة إلى تكاليف النقل وأجور بعض المدرّبين.
لذلك، فإنّ لاعبة كرة القدم اللبنانية أثبتت أنّها تمتلك المقوّمات التي تسمح لها بالاحتراف وجَعل هذه اللعبة مهنتها الأساسية، إلّا أنّ كلّ ما ينقصها هو الدعم المادّي والمعنوي.