القى مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان كلمة خلال الملتقى الثقافي السعودي – اللبناني الخامس بعنوان “شهيد الرسالة المفتي الشيخ حسن خالد”، الذي اقيم في دارة سفير المملكة العربية السعودية وليد بخاي في اليرزة، وقال: “بداية أتوجه بالشكر والتقدير لمعالي سفير خادم الحرمين الشريفين الأستاذ وليد بخاري على الدعوة الكريمة لإقامة ورعاية الملتقى الثقافي السعودي – اللبناني الخامس، بعنوان “شهيد الرسالة المفتي الشيخ حسن خالد”، وليس غريبا أن يدعونا سعادة السفير إلى هذا الملتقى في الذكرى الثالثة والثلاثين لاستشهاد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن تحت عنوان “شهيد الرسالة”، لأن للشهيد مكانة رفيعة عند الله سبحانه وتعالى، فكيف إذا كان الشهيد عالما ومفتيا، ورجل خير ومبرات وعطاءات وإنجازات، على الساحة الوطنية والعربية والإسلامية”.
أضاف: “قال تعالى في محكم تنزيله: *ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون* فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون*. ليس المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد رحمه الله تعالى، شخصا لا يذكر إلا في مناسبة وذكرى استشهاده، إنه بإيمانه وبترجمته هذا الإيمان، اتخذ مواقف دينية وأخلاقية ووطنية وعربية، جعلته حيا. ذلك أنه استشهد في سبيل الله، والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون. ومواقفه الإسلامية والوطنية والعربية، هي المواقف الثوابت لدار الفتوى، ذودا عن الإسلام شرعة ومنهاجا، ودفاعا عن الوطن اللبناني، الذي ارتضيناه وطنا نهائيا لنا جميعا، وصونا لانتماء لبنان العربي”.
وتابع: “لا ينبغي أن تمر هذه الذكرى لاستشهاد هذا الرجل الكبير، رجل الإسلام والوطن والأمة، بدون عبرة وعظة، وبدون درس وأمل للمسلمين وللبنانيين وللعرب جميعا. أما العبرة: فهي أن الصمود أمام المشاق والصعاب يؤتي الأجر مرتين: مرة في الفوز بالشهادة، ومرة في فوز القضية التي قتل المجرمون الشهيد للحيلولة دون إحقاقها. وقد فازت قضية حسن خالد، وهي قضية كل شهداء الوطن الكبار، قضية بقاء لبنان حرا سيدا مستقلا، عربي الانتماء والهوية، وقضية تجدد الأمل بالوطن والدولة -دولة المواطنة ومؤسساتها- الجامعة في تعددها وتنوعها في إطار الوحدة الوطنية والعيش الواحد، والطموح إلى الغد الأفضل”.
وأردف: “هذه هي القضية التي عمل لها وعليها، رجالات لبنان الكبار. وقد غيب كثيرين منهم الموت أو القتل. لكن الموازين، هي موازين العمل الصالح، الذي ناضل بمقتضاه شهيدنا حسن خالد وأعلامنا الشهداء الكبار. ولأن القضية بقيت حية، فإن هؤلاء الرجال بقوا أحياء، وذهب ظالموهم أو يذهبون، ويكون على أحيائنا وشبابنا، أن يظلوا حاملين لمشعل الحرية، ومشعل الشهادة، وما هي الشهادة إن لم تكن تعبيرا عن شجاعة الحرية، وشجاعة السعي من أجل بلوغ قوتها وآفاقها وأهدافها النبيلة السامية”.
وقال: “لقد عرف جيلنا من رجالات لبنان والعرب، ومثقفيهم وسياسييهم، حسن خالد، في ذروة عطائه في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. أما نحن أهل العلم الديني، فإننا نشأنا على يديه معلما وأستاذا، ثم عملنا معه عندما تسنم منصب الإفتاء، وشهدنا عن كثب أعماله الجليلة في سياسات العلم والدين، وسياسات الوطن والمواطنين. وقد كان نموذجا ومثالا لنا في عمله وخلقه وإنسانيته، وفي آفاق شخصيته الرحبة، وفي إدراكه الكبير لقضايا لبنان، وقضايا العرب والإسلام. وأشهد ما عرفت مثله في اهتمامه المنقطع النظير، بالكبير والصغير من الأمور، وبرعايته لشبابنا، وعيشه لهمومهم وتطلعاتهم، وقدرته على التصدي للمشكلات، سواء أكان ذلك في الملف الديني، أم في المجال الوطني والعربي والإنساني”.
أضاف: “تحضر ذكرى المفتي خالد هذا العام، فتوقظ في نفوسنا المثل والأخلاق والقيم التي كانت تحركه، ولعل المفتاح لفهم شخصيته، هو تعبير أو مصطلح: أخلاق المسؤولية. فقد تعطلت المؤسسات الدستورية، والحياة السياسية، فكان يجمع اللقاء الإسلامي بدار الفتوى، أو في منزله في عرمون، ليبقى النصاب السياسي قائما، وتبقى بيروت حاضرة. وخشي أن تؤثر انقسامات الحرب على الانتماء اللبناني، والعلاقات بين المسلمين والمسيحيين أبناء الوطن الواحد، فاشترع مع الراحل الكبير الإمام محمد مهدي شمس الدين، وثيقة دار الفتوى للثوابت العشر في العام 1983، التي اعتبرت أن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، وكان شعاره الدائم، العودة إلى الدولة القوية والعادلة، دولة المواطنة الجامعة، وحكم القانون، والانطلاق من قيام الدولة الحريصة على الأرض والشعب، لمقاومة العدو الإسرائيلي، الذي وصل إلى بيروت”.
وتابع: “إننا نقف اليوم مع ذكرى شخصية أحبها وقدرها سائر اللبنانيين، وسائر العرب. وما زرنا موطنا في العالم العربي أو الأوروبي، إلا ووجدنا ذكرى حسن خالد شذية وحاضرة. وإذا كانت أخلاق المسؤولية هي التي تميز شخصيته وعمله، فإن إطلالته على العرب، انطلقت من عمق الانتماء، والتزامات المصير. فقد قصد مصر، والمملكة العربية السعودية، والكويت، ودولة الإمارات، وسائر الدول العربية، وكان لبنان ونزاعاته وحروبه، والتدخلات الخارجية في شؤونه، هي الهم الدائم في سفراته ورحلاته. وقد كان يقول: إنه لا حل للبنان إلا الحل العربي. وعندما تدخل العرب لإنهاء الحرب، وشكلوا لجنة لذلك، تعاون معها المفتي الشهيد، ومضى والبطريرك صفير وسائر المرجعيات الدينية حينها، إلى الكويت للاجتماع بها، وقدم لها مجموعة اقتراحاته، وعلى طريق المساعي لإنهاء النزاع، استشهد المفتي حسن خالد في 16 أيار عام 1989 في تفجير لموكبه، بجوار دار الفتوى، بمحلة عائشة بكار. ولذلك، فقد فاته رحمه الله، مؤتمر الطائف، الذي أنهى النزاع المسلح، وأصدر وثيقة الوفاق الوطني، آخر العام 1989. وعلى ذلك التقى مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي كان يمضي بخطى ثابتة باتجاه عقد مؤتمر الطائف، بدعم من المملكة العربية السعودية، واستضافتها”.
وأردف: “تهل في هذا العام ذكرى استشهاد المفتي حسن خالد، وقضية فلسطين، وحاضرة القدس، تمعنان في الغياب. والشعب الفلسطيني يناضل وحده تقريبا ضد الاحتلال والاغتصاب الصهيوني الغاشم، فنسأل الله سبحانه، الذي أكرمك أيها المفتي الكبير، وأكرمنا بشهادتك، أن ينصر أهل القدس وفلسطين على الاحتلال الصهيوني، وعلى التمييز الديني، وعلى العنصرية الباغية، إنه سميع مجيب”.
وختم: “رحم الله المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد، وأحسن عزاء المسلمين واللبنانيين والعرب به، وثبتنا على طريق الحق والصدق، والرسالة والسيرة والمسيرة الصالحة للمفتي الشهيد، وحفظ الله تعالى أوطاننا وإنساننا”.