إبراهيم درويش- العربي المستقل
عندما تصبح الرؤى الشخصية والأهواء هي التي تحدد المعايير، يتلاشى أي أفق مرتقب لأي إحتمال ضئيل في إعادة بناء هذا البلد.
إنقسام عمودي، يصرّ البعض على تكريسه، ويساهم عن قصد أو من دونه في خندقة المختلفين والمتربصين، بإرادتهم، أم من دونها.
نظام عفن تعاقب نواته على الحكم في بلد ساروا به بخطى ثابتة الى الإنهيار الكبير. ليس بعيدا منهم، وجوه يألفها اللبنانيون جيّداً، ويعرفوا تاريخها، ويستشرفوا أداءها وممارستها، وشعارها الرئيس الذي لا لبس فيه، “زيح لإقعد محلّك”، وبطبيعة الحال، هذا لا ينضوي على من لم يشاركوا بالفساد، ولم يستفيدوا منه، ولم يأكلوا من خيره، ولم يراكموا الثروات من هباته، وعطاءاته، ومكرماته.
في حلقة الثلثاء، من برنامجه، خرج الإعلامي مارسيل غانم، ليؤكد على أحقيّة أي مواطن في دفع اي إنسان، أو أيّ مسؤول يخالفه المقاربة والممارسة والأداء، بما أنه قد ارتأى أن هذا السلوك يندرج في السياق الطبيعي لحرية التعبير.
سأبحر في الأمر أبعد من ذلك بكثير، وسأسلّم بأن الوزير هو المسؤول الأوحد والأول عن الفساد، وهو مم يتعمّد إستكمال طقوس الظلمة، ويحقّ لأي كان، أن يدفعه ويعتدي عليه بالضرب، وتعنيفه بأي وسيلة كانت، بغض النظر عن الأهداف والخلفيات، وبالتالي يصبح الأمر متاحاً، أمام أي غاضب أو متحيّن فرصة، أو متحلل من القانون، لتصفية حسابه، مع من يختلف معه، بالطريقة التي يراها مناسبة.
السؤال الأهم، هل تندرج حريّة التعبير والدّفع والشتم، والسب تحت موافقة غانم نفسه، على أن يتعرّض للدفع، وللشتم، وللضرب، لأن هناك من يعتبره مسؤولا منذ إنطلاقة هذا النظام، على تعويم رموزه من السياسيين والمالييين، واستفاد من هداياهم الفاخرة وباعترافه، أم أنه سيعتبر الأمر إعتداء على الحريات، وسيعتب على من لا يناصر مظلومية قضيّته، الرافضة لأي ممارسة خارج إطار الدولة وقوانينها؟
رافق غانم في حلقته، المرشّح رياض طوق، الذي برّر الاعتداء، بحجّة تناول الوزير المشروبات الروحية، فيما سانده غانم مستعينا بتعابير وجهه، ضاحكا، قائلا “دفَشوا ليوعى”.
بعيدا كل البعد من الوزير ومن الحادثة، هل نتصوّر في بلد بني على ركائز طائفية ومذهبية مدمّرة، ويقتات على الصراعات الحزبيّة والفئويّة، كيف يمكن أن يصبح الوضع في لبنان ، في حال تم تبرير المحاكم العرفية المدنية، وبات أي كان، يفرض معاييره، فيحاسب بشمولية وتطرف فكري مقيت، فيضرب ويعتدي، وربما يقتل.
هذا إمعان في استكمال في الإجهاز على ما تبقى من قوانين، وأصول مترنّحة، وهشّة، لما يسمى بالدولة اللبنانية، وينذر بسعي البعض فعلا، الى ما كثر الحديث عنه من تغيير مخيف لوجه لبنان، أبرز سماته التطرف الفكري، والذي يبيح أبشع أنواع الممارسات.