كتبت بولا أسطيح في “الشرق الأوسط”:
وصلت تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان إلى حد تعذر إصدار جوازات سفر للمواطنين اللبنانيين مع إعلان المديرية العامة للأمن العام التوقف عن تلقّي طلبات المواطنين الراغبين بالحصول على جوازات سفر جديدة «لأنّ مخزون الجوازات شارف لديها على النفاد ولعدم توفر التمويل اللازم لشراء كميات جديدة منها». وأدى ذلك إلى جو من البلبلة والقلق كما الغضب في الشارع اللبناني.
ووضع الأمن العام اللبناني في الأشهر الماضية منصة إلكترونية في تصرف المواطنين بهدف تنظيم حصولهم على جوازات السفر بعد الهجمة الكبيرة من اللبنانيين لتجديد جوازاتهم والحصول على جوازات جديدة. إلا أنه تم الإعلان أول من أمس عن وقف العمل بهذه المنصة «لحين قيام المعنيين بإجراء اللازم وتأمين الأموال المطلوبة لتنفيذ العقد المبرم مع الشركة التي تم التعاقد معها لإنجاز جوازات السفر».وتبلغ قيمة المبلغ المطلوب، والذي يؤكد مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم أنه عالق في وزارة المال، حوالى 15 مليون دولار أميركي، مستغربا عدم المسارعة لتأمينه علما أن المردود المادي لهذه الجوازات يفوق 5 أضعاف قيمة إصدارها.
وأشار إبراهيم إلى أن الموضوع قد يتطلب تعديلات قانونية واصفا الأمور بـ«المعقدة»، وداعيا الحكومة للمسارعة لحل الأزمة وكاشفا عن توقيف عسكريين تواطأوا أو سهلوا عمل سماسرة تمهيدا لإحالتهم إلى المجلس التأديبي.
وهناك حاليا 20 ألف جواز سفر منجز في الأمن العام لم يتسلمها أصحابها، كما أن 69% من الجوازات التي تم إصدارها لم يتم استخدامها. ويتهافت اللبنانيون منذ انفجار مرفأ بيروت على تجديد جوازاتهم لعدم شعورهم بالأمان وبخاصة جراء التفاقم المستمر للأزمة المالية والاقتصادية. ويطمح أكثر من نصف الشعب اللبناني للهجرة، وفق أحدث استطلاع أجراه «الباروميتر العربي»، وهو مؤسسة تملك أكبر مستودع للبيانات المتاحة حول آراء المواطنين، وقد أظهر مدى اليأس السياسي والاقتصادي الذي يهيمن على لبنان.وقالت المديرية العامة للأمن العام في بيان إنّ عام 2020 «شهد ضغطاً كبيراً على طلبات جوازات السفر، فاق عشرات أضعاف الأعوام السابقة، ما أثّر على مخزون جوازات السفر لديها».
ويتحدث الخبير الدستوري ربيع الشاعر المرشح للانتخابات في دائرة الشمال الثالثة عن «نيات مبيتة لدى قوى السلطة في موضوع التلكؤ بتأمين الاعتمادات لطبع جوازات للسفر، لعرقلة انتخاب المغتربين الذين يسعى كثيرون منهم لتجديد جوازاتهم دون طائل»، لافتا إلى أن «عددا كبيرا من هؤلاء جاءوا إلى لبنان لتجديد جوازاتهم نتيجة الفرق بسعر الصرف، بحيث أن إنجاز الجواز في الخارج قد تبلغ تكلفته 400 دولار أميركي أما في لبنان فلا تتجاوز الكلفة 20 دولارا». ويشير الشاعر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «ارتفاع الطلب على الجوازات أدى لفقدان مستلزمات الجواز وعدم تأمين الأموال اللازمة سيبقي الوضع مجمدا وعلى ما هو عليه».
من جهته، يعتبر سمعان بشواتي، الخبير في مجال التنمية المحلية والحوكمة والمحاضر في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية أن «ما يحصل على صعيد أزمة جوازات السفر يؤكد أن لبنان تخطى تصنيف (الدولة الفاشلة) باتجاه التحلل الذي تحاول الطبقة الحاكمة تأجيله لما بعد الانتخابات النيابية»، لافتا إلى أنه «أيا كانت الأكثرية التي ستنتج عن هذه الانتخابات فسنكون على موعد مع أشلاء دولة وأشلاء وطن». ويشير بشواتي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «اللبنانيين يعانون أصلا الأمرين من جواز سفرهم الذي يتطلب إجراءات كثيرة ومذلة للاستحصال على تأشيرة لزيارة أي دولة، فيما نسمح نحن لمواطني كل الدول بالدخول إلى لبنان من دون تأشيرة بغياب فاضح لمبدأ المعاملة بالمثل»، مشددا على أن «وقف هذه المهزلة ووضع حد للتحلل لا يكون إلا من خلال موجة شعبية شبيهة بانتفاضة 17 تشرين الأول 2019 تنتج عنها قيادة تشارك بمؤتمر تأسيسي للبنان الجديد».