إبراهيم درويش_العربي المستقل
يحق لأيّ كان أن ينظّم إفطارا، وأن يجمع من يشاء حول مائدته، في شهر الخير واليمن والبركة، فالتقارب أكثر من “مطلوب، وتنوّع الجهود لإنقاذ لبنان، بات أمرا مطلوبا، فليس الهنا المقصد، ولا هنا هنا محطة الترحال.
لا أدري، لماذا أشعر منذ زمن بعيد، أنّ بي جرحٌ اسمه طرابلس، فهذه المدينة، كأنها نُذرت للحزن والوجع، حتى فيروز يوم غنّت للشمال، غنّت “ليالي الشمال الحزينة”.
كما ذكرت أعلاه، لست في صدد تقييم عشاء السفارة السعودية في اليرزة، انما تحضرني صورة رئيس حكومة لبنان نجيب ميقاتي، يهمس في أذن السفير ولدي بخاري، قائلاً “طروبلس مظلومة يا سعادة السفير، طروبلس انقتلت مرة واثنين وثلاثة ومية ، وكل المصاري اللي اجت عالبلد، ما راح منها ولا شي لطرابلس، ولا لأهلها، بدنا نشوف نحنا واياكم كيف نعوّض عن أهل طرابلس الوجع اللي مرقوا فيه”.
تقودني مخيلتي الى “تدخل رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، مقاطعا كلام ميقاتي قائلا لكن يا دولة الرئيس، صيدا ايضا مظلومة، وموجوعة، فيصرّ ميقاتي على موقفه، مؤكدا أن “لا معاناة تضاهي معاناة طرابلس”، من دون أن ينسى عكار، فيستفيض في الشرح عنها، فـ “طرابلس لا تقبل بان تكون بخير من دون جارتها”.
كل ذلك لم يحصل في الإفطار، كما لم يحصل يوما، فطرابلس لم تكن يوما أولويّة، عاصمة الشمال تُركت منذ زمن طويل لمصيرها، تواجه قدرها برعاية الله وفضله، لم يناضل لأجلها أحد، لم يستشرس في الدفاع عنها اي من رموزها البارزين، حتى رئيس الحكومة الحالي، يوم خرج الطرابلسيون مثقلين بالألم، هدّد بإغلاق مراكز عمله ومؤسساته والمغادرة، وخاطب الطرابلسيين بخطاب جاء بعيداً عن وجعهم، ويوم كلّف برئاسة الحكومة، طلب من الطربلسيين واللبنانيين ان يتحمّلوا وزر سياساته وشركائه من أهل السياسة والمال، وأخبر الطرابلسيين، أنه يريد أن يرتاد المطاعم، من دون ان يواجه بغضب الناس.
قد يكون الغضب الطرابلسي قد استكان، أو بالأحرى قد دفن في الأجواف، ولم يطفأ في نفوس المقهورين، المسلوبين، المتوجسين، الخائفين، المنسيين على شواطئ اللا أفق، هم قرروا الانتحار. هم حتما كانوا هم كانوا على يقين، بأن الموت ملاقيهم، فتحضّروا للقائه بوجوه متأملة، هربا من وزر قرار الموت الجماعي.
لم يمت هؤلاء غرقا، هناك من قتلهم وهم أحياء ورفض أن يدفنهم، فقرروا مواراة الثرى بأنفسهم في عرض البحر، عله يطوف بحمولتهم الى الاعلى، فيناموا ولو ليلة واحدة، من دون قلق وخوف.
أسمع صوتهم منذ زمن بعيد يصرخون، إسوة بالكثير من اللبنانيين، لكن، أترتجى الحياة من القاتل؟ وفي هذا الشهر تحديدا قلة قليلة، تسمع ما يحكى خارج جدران المطابخ، والصالونات الواسعة، فصوت المعالق أشد طربا، واجمل نغماً من اصوات البطون الخاوية، والاطفال الجوعى، والامهات المرتجيات، والأباء قليلي الحيلة، مسلوبي الماضي والحاضر والمستقبل.