التحرّك اليوم أربح من الغد… هل تغيّر النقابات ما كرسّته السياسة؟

ربى أخضر_العربي المستقل

في لعبة تمرير الوقت لصالح المصارف والنّظام السّياسي القائم وتخدير القوّة الكامنة في الطّبقة الكادحة من العمّال بجمل على غرار “كان لازم ينعمل كابيتال كونترول من الأساس” و”نزل الدولار وطلع الدولار” و”قمنا بزيادة بدل النقل…” إلخ، وبعد أن خسرت هذه الطّبقة أشواطا وأشواط أمام مفترسي السّلطة والمال منذ إنكشاف اللعبة للعلن في أواخر عام ٢٠١٩ وحتى لحظتنا هذه، فإنّه من المجدي القول بأن التحرّك اليوم يبقى دائما أربح وأفضل نتائج من التحرك في الغد.

وفي حين تخوّف الكثيرين من إمكانية تسييس أي حراك أو تظاهرات شعبيّة تجرّ البلد إلى فتنة أهليّة، وفي حين أنّ إنتظار النّاس إنتخابات نيابيّة عادلة من دون ألاعيب سياسيّة مدعومة من الإقليم وما بعد الإقليم أمر ميؤوس منه، لا بل إن تأمّل نتائج بنّاءة لإنتخابات تترك بصماتها لصالح الوطن أجمع على حساب الانقسامات الداخلية هو “عشم إبليس في الجنة”، فلا بدّ من البحث عن فجوة أخرى يتسلّل منها الشعب المسلوبة أمواله وأصواته للتحسين من واقعه على  الصعد كافّة.

من هنا نبدأ الحديث عن النّقابات العمّالية التي وجدت في الأصل من أجل حماية حقوق الطبقة العاملة وتوحيد صفوف العمال لتحقيق مطالب معينة كتحسين شروط العمل…

وعلى الرغم من صعوبة إعادة الحياة الديمقراطية المستقلّة إلى النقابات في لبنان من دون تدخّل الأحزاب ومحاصصاتهم السياسيّة، فإن المشكلة الأكبر تكمن في ضعف المشاركة الحقيقيّة للعمال في الحياة النقابيّة.

تظهر آخر الإحصائيات بهذا الشأن، التحوّل المأساوي في بنية الإتّحاد العمالي العام بحيث أن العدد الكبير للنقابات (أكثر من ٦٠٠ نقابة) ليس إلا بالونا فارغا، إذ تقدّر نسبة المنتسبين إلى جميع الإتحادات التي يتشكّل منها هذا الإتّحاد بحوالي ٧% فقط من مجمل العمّال و الأجراء الذين يحق لهم الانتساب إلى النقابات، فتسقط بذلك الشرعيّة الشعبيّة المحقّة التي يجب على الاتحاد امتلاكها.

ولذا فإنّ التأثير الفعلي الذي يمكن إحداثه يكون من خلال خلق ثورة في صفوف العمال ونشر ثقافة الحقوق النقابيّة وحثّ الأجراء والعاملين كافة للإنضمام إلى النقابات المناسبة لهم فتتشكل بذلك قاعدة شعبية لا طائفية ولا حزبية تكون صوتا جهوريا يطالب بحقوقه المعيشيّة والإقتصاديّة ويشكّل عامل ضغط على أسلوب عمل النقابات والاتحاد العمالي العام بالدرجة الأولى، ويجبرها على الانفصال عن الواقع المشرذم سياسيا ويدعوها لاتخاذ مواقف جريئة في وجهه.

إن تغيّر نتائج الانتخابات النقابيّة لصالح مستقلّين أو منفصلين عن الأحزاب التقليديّة لا يغيّر كثيراً في المشهد الإجتماعي والإقتصادي ما دام التمثيل والمشاركة الفعلية ضعيفين. وإن أي مساع لتبديل واقع الأزمة الحالية من تردّ إلى تحسّن يجب أن ينطلق من الشريحة الأضعف ماديّا الأثقل عددياً بأطر لا يمكن الطعن بها من خلال مؤسسات جامعة تحت ظل جبين العامل المقهور، طبعا وهذا كلّه يبقى مرتبطا، بالتحوّلات الكبيرة، والهوامش العريضة، إقيلميّاً ودوليا، وتأثيراتها، ولكن يبقى على المواطن، السعي، والإنطلاق في محاولة، تكون في حدها الأدنى، من نقطة الصفر.