كأن القاضي حبيب مزهر وصل إلى عضوية مجلس القضاء الأعلى بمهمة محددة منذ تمت تسميته في جلسة الحكومة في 12 تشرين الأول الماضي حيث اطلع وزير العدل القاضي السابق هنري خوري مجلس الوزراء على تعيين القضاة: داني شبلي والياس ريشا وميراي حداد وحبيب مزهر، أعضاء في مجلس القضاء الأعلى، وذلك بناء على اقتراحه وموافقة رئيسي الجمهورية والحكومة.
بصمة الولاء السياسي بدت واضحة في الجلسة التي عقدها مجلس القضاء الأعلى برئاسة القاضي سهيل عبود وحضرها المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار. بحيث تم تسريب معلومات عن هجوم شنّه مزهر على البيطار وكأنّه يضعه في معرض المتّهم وفق ما جاء في طلبات ردّه المقدمة، ومن سائر المتهمين المدعى عليهم من النواب نهاد المشنوق وغازي زعيتر وعلي حسن خليل والوزير السابق يوسف فنيانوس ورئيس الحكومة السابق الدكتور حسان دياب ومن جانب “حزب الله”.
لم يكن أحد يتوقع أن تنقلب الأمور بهذه الطريقة داخل الجسم القضائي لتسجيل سابقة خطيرة في التعاطي بين القضاة. قد يكون من الجائز قانونياً أن يكلف الرئيس الأول لمحاكم الإستئناف في بيروت القاضي حبيب رزق الله القاضي حبيب مزهر النظر في دعوى البت بطلب القاضي نسيب إيليا رئيس الغرفة 12 في محاكم الإستئناف التنحي عن النظر في الدعوى التي قدمها أمامه الوزير السابق يوسف فنيانوس لرد القاضي طارق البيطار باعتبار أنه سبق له وبت بمثل هذه الدعوى. ولكن من غير المفهوم كيف أن القاضي مزهر قفز إلى الدعوى الخاصة بكف يد القاضي البيطار متجاوزاً ما هو مكلّف به قانوناً.
الخطوة التي أقدم عليها مزهر تركت آثاراً سلبية داخل القضاء وانعكست ارتياباً مشروعاً لدى الرأي العام عندما سارع إلى إصدار قرار قبول الدعوى وتبليغ القاضي البيطار وقف التحقيقات وطلبه من قلم مكتبه كمحقق عدلي تسليمه كامل ملف التحقيق الأمر الذي ترك علامات استفهام كثيرة قبل أن تنجلي في اليوم التالي بعض جوانب هذه القضية.
في 28 تشرين الأول الماضي تم تقديم طلب رد القاضي نسيب إيليا. وفي اليوم نفسه طلب إيليا التنحي. تم تكليف الغرفة رقم 15 في محاكم الإستئناف التي يرأسها القاضي حبيب مزهر النظر في طلب تنحي القاضي إيليا. تلقف مزهر الموضوع واعتبر نفسه مكلفاً البت في طلب التنحي ثم في دعوى ردّ القاضي البيطار ذات الرقم 69 على 2021. هكذا ورد في متن القرار الذي صدر عنه وورد فيه أن القاضي حبيب رزق الله كلفه ترؤس الغرفة رقم 12 محل القاضي إيليا ولذلك قرر التوسع والبت في قضية طلب كف يد القاضي البيطار. التكليف كان ملتبساً وكذلك القرار الذي أصدره وبدا من خلاله أنه يريد أن ينتهي سريعاً من القاضي البيطار وتحقيقاته ولذلك أرسل مباشِراً إلى منزله ليبلِّغه كفّ يده وطلب تسليمه كامل الملف.
فقد ورد في قرار مزهر: “تبين أنه في 28 -10-2021 عرض حضرة القاضي نسيب إيليا التنحي (عن دعوى رد القاضي البيطار) وأنه على أثر تكليف الغرفة الخامسة عشرة للنظر بعرض التنحي المذكور، قررت هذه الغرفة في 22 -11-2021 قبول عرض التنحي المقدم من حضرة القاضي نسيب إيليا،
وحيث أنه بناء على ما تقدم، تكون الغاية التي سعى إليها طالب الرد قد تحققت عبر منع حضرة القاضي نسيب إيليا عن متابعة النظر بالدعوى رقم 69 على 2021 التي ترمي إلى رد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار،
ومن ناحية ثانية وفي 2-11-2021 تبين أن حضرة الرئيس الأول لمحاكم الإستئناف في بيروت القاضي حبيب رزق الله قد كلفني بترؤس الغرفة الإستئنافية الثانية عشرة محل الرئيس نسيب إيليا المقبول تنحيه،
وأنه في 3/11/2021 جرى ضم الملف رقم 69 على 2021 المشار إليه أعلاه للإطلاع عليه إنفاذاً للقرار الصادر بذات التاريخ،
وحيث أنه بناء لما تقدم، وعلى أثر تكليفي المذكور أعلاه يقتضي السير بالدعوى رقم 69 على 2021 حصراً…” وهي دعوى رد البيطار.
مزهر لم يذهب بعيداً كثيراً خارج هذا المسار الذي أحدثه. اعتبر أن المسألة تتعلق أيضاً بالبت بصلاحية المحكمة الإستئنافية البت بقرار التنحية وأن الحكم يصدر عن المحكمة التي تضم المستشارتين روزين حجيلي وميريام شمس الدين وهما كانتا وافقتا مع القاضي إيليا على رد طلبي تنيحة البيطار السابقين المقدمين من النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر ومن النائب نهاد المشنوق. في حال اعتبر قرار مزهر قانونياً فإن المسألة تحتاج إلى معرفة ما إذا كان القاضي البيطار سيمتثل للقرار أم سيطعن فيه قبل أن يسلمه كامل الملف الذي يعتبر ضخماً جداً ويتطلب تصويره وقتاً طويلاً فكيف إذا كان القاضي مزهر يريد أن يطلع عليه قبل أن يبت بمسألة التنحي. وفي حال استمر هذا المسار هل يمكن للقاضي مزهر مثلاً أن يفرض رأيه على المستشارتين حجيلي وشمس الدين اللتين كانتا وقعتا على رفض هذه الدعوى سابقاً؟ وهل يمكن أن تتم تنحيتهما وتعيين غيرهما ليمشي القرار بالقبول؟
حتى ليل أمس لم يكن قد ظهر بعد ما يشير إلى المسار الذي ستسلكه هذه القضية إذا تم اعتبار أن مزهر قد تجاوز الصلاحية التي أعطاها له القاضي حبيب رزق الله. وإذا كان هذا الأمر صحيحاً فأي تدابير يمكن أن تتخذ في حقه. وهل يعتبر القرار الذي أصدره لاغياً وكأنه لم يكن؟ وأي جهة قضائية يمكن أن تبت بهذا الأمر؟
الجديد في هذا الموضوع الدعوى التي قدمها وكلاء الضحايا الاجانب في انفجار المرفأ المحامون مازن حطيط وفاروق المغربي وطارق الحجار امام الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف القاضي حبيب رزق الله بطلب فصل ملف رد القاضي طارق البيطار عن ملف رد القاضي نسيب ايليا. وبالتالي هل يبت رزق الله به؟ أم أن رزق الله ليس بحاجة إليه طالما أنه تم نشر نص التكليف الذي يحصر مهمة مزهر بدعوى كف القاضي نسيب إيليا؟ وبالتالي لا يحتاج إلى أي دعوى يتقدم بها. فقد طلبت نقابة المحامين من رزق الله إفادتها عما إذا كان تكليف مزهر يشمل طلب رد القاضي البيطار وقد رد رزق الله بالنفي حاصراً تكليف مزهر بملف رد القاضي إيليا بعد قبول عرض تنحيه.
أين ستذهب هذه القضية واي تفاعلات ستكون لها داخل الجسم القضائي وهل الذين فرحوا أمس وأمس الأول بخبر كف يد القاضي البيطار سيجدون أن فرحهم كان وهماً؟ وهل ينتصر القضاء مرة جديدة من أجل العدالة؟ لأن المسألة لا تتعلق بالقاضي البيطار بل بالقضاء كله. المسألة باتت تتجاوز الشخص لأن القاضي البيطار صار رمزاً للعدالة.
نداء الوطن