كتبت صحيفة “النهار” تقول: على أهمية اللقاءات التي أستكملها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أمس في غلاسكو على هامش ترؤسه وفد لبنان إلى قمة التغيّر المناخي الأممية، وخصوصا مع وزير الخارجية الأميركي، فإن أي معالم واضحة لاحتواء تداعيات العاصفة الخليجية لم تظهر بعد في ظل التخبط اللبناني المكشوف في اتخاذ أي خطوة تتجاوز اطار الكلام والوعود وابداء النيات الطيبة. ومع عودة ميقاتي إلى بيروت في الساعات المقبلة ستنتقل وجهة تركيز الاهتمامات من لقاءات غلاسكو إلى تقصي مصير الحكومة نفسها في ظل سقوطها في هوة بين حدين لا تملك التأثير على أي منهما: تصلّب “حزب الله” حيال رفض أي اتجاه لاستقالة وزير الاعلام جورج قرداحي حتى لو طلب ذلك رئيس الجمهورية نفسه ورئيس الحكومة لبدء الخروج من الإعصار المؤذي الذي يهدد مصالح لبنان في العمق. ومضي الدول الخليجية الأربع التي بدأت إجراءات القطيعة مع لبنان وهي المملكة العربية السعودية والكويت والامارات العربية المتحدة والبحرين في استكمال هذه الإجراءات تباعاً وتصاعدياً بما لا يبشر بنهاية وشيكة لهذه الازمة غير المسبوقة.
وأما الرهان على وساطات كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبعض الدول العربية الأخرى كقطر، فلن يكون سهلاً الركون اليه في اقناع الدول الخليجية بوقف حملة الإجراءات، فيما لا يزال لبنان الرسمي يظهر تخبطه وعجزه عن اتخاذ الخطوة الأساسية المطلوبة وهي حمل وزير الاعلام على الاستقالة طوعاً، الامر الذي شلّ أكثر فأكثر الحكومة ووضعها امام احتمال الانقسام من داخلها. حتى ان معالم التباينات ظهرت واضحة بين نبرة ومواقف رئيس الحكومة في غلاسكو ونبرة وزير الخارجية عبد الله بو حبيب في بيروت من خلال حديث لبو حبيب نشرته وكالة “رويترز” وتضمن مواقف متشددة من السعودية.
وقال إن “المملكة العربية السعودية تملي شروطاً مستحيلة” من خلال مطالبة الحكومة بالحد من دور “حزب الله” المدعوم من إيران، مضيفا أن السعوديين لم يجروا أي اتصالات مع الحكومة التي تشكلت حديثاً حتى قبل الخلاف الديبلوماسي الأخير. واضاف “نحن أمام مشكلة كبيرة، إذا كانوا يريدون فقط رأس حزب الله، فنحن لا نستطيع أن نعطيهم إياه، نحن كلبنان. لأن تصريحات وزير الخارجية (السعودي) أن حزب الله وليس جورج قرداحي المشكلة، جورج قرادحي أشعل المشكلة، هو كان مثل فتيل للأزمة. وأضاف أن “حزب الله لا يهيمن على البلد”، وأنه “مكون لبناني يلعب سياسة، نعم عنده امتداد عسكري إقليمي، نعم، لكن لا يستخدمه في لبنان، إقليمي. هذه أكثر مما نحن نقدر أن نحلها، هذه نحن لا نستطيع حلها… كلنا نريد جيشا واحدا وبلدا واحدا ولكن في عندنا واقع”.
وأضاف “لكننا مصرون أن تكون عندنا علاقات جيدة، لا بل ممتازة مع المملكة العربية السعودية، ولكن ينبغي أن نعرف بالضبط ماذا يريدون، وما هو بمقدورنا نحن كلبنانيين أن نلبي طلبات المملكة، ونفضل الحوار على الإملاء، وألا يكون.. اعملوا كذا أو لا. نحن نريد أن نعمل حواراً. نحن دولتان مستقلتان وكان تعاون هائل بيننا تاريخيا”.
وقال بو حبيب لرويترز إنه يعتقد أن الحوار المتبادل بين لبنان والسعودية هو السبيل الوحيد للمضي قدما لحل الخلاف، لكنه أضاف أنه لم تكن هناك اجتماعات على أي مستوى بين الطرفين منذ تشكيل حكومة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي منذ أكثر من شهر. وقال “لم يكن هناك حوار (مع السعودية) قبل مشكلة الوزير قرداحي. السفير السعودي هنا لم يتعاط معنا قط. كان هنا وكان يتعاطى مع الكثير من الساسة اللبنانيين لكنه لم يتعاط معنا. ونحن نريد للسعودية أن تبقى هنا، وطبعا تضايقنا إنه لا يتكلم معنا، لكن هذا لا يعني أننا سنتخذ أي إجراءات… فإذا لم يقوموا بأي اتصال في السابق فكيف تريدون أن يقوموا بالإتصال اليوم. هم يرفضون الاتصال بأي مسؤول بالحكومة”.
وأضاف أن ميقاتي كان “يتمنى أن يجتمع مع الوزير السعودي (في مؤتمر المناخ في غلاسكو) لكن لا أظن أن السعوديين مستعدون لذلك. “وأشار إلى أن “اعتذار الحكومة غير وارد لأن الحكومة لم تغلط، والذي حكاه الوزير قرداحي كان قبل الحكومة، هل كنا مطلعين عليه؟ طبعا لا”. وأضاف “يوجد مساع ومساعدة من الأميركيين والفرنسيين، ولكن لا توجد مبادرة أخرى” غير المبادرة القطرية.
الجامعة العربية
إلى ذلك، قال مصدر ديبلوماسي رفيع في جامعة الدول العربية لـ”النهار العربي” إن “أي اتصالات لخفض مستوى التوتر في الأزمة” بين لبنان والسعودية “يجب أن تبدأ من المربع الرسمي اللبناني”، محمّلاً السلطات اللبنانية مسؤولية “عدم التعمل بحصافة وسرعة” مع أزمة تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي، حتى لو أنها سبقت توزيره، ومطالباً لبنان بـ”كلام واضح وأفعال لمحاولة احتواء الأزمة”.
واعتبر المصدر الرفيع في الجامعة أن “حزب الله” بات “مسيطراً على القرار اللبناني، وهذا مربك للجميع. الجميع يريدون مساعدة لبنان لكن ارتهان القرار اللبناني لإرادة حزب الله يصعّب على أصدقاء لبنان المبادرة إلى مساعدته”. (راجع موقع النهار العربي).
الإجراءات الديبلوماسية
في غضون ذلك، دعت وزارة خارجية مملكة البحرين جميع المواطنين الموجودين في لبنان إلى ضرورة المغادرة فوراً نظراً لتوتر الأوضاع هناك مما يوجب أخذ الحيطة والحذر. وأكدت في بيان “ما صدر عنها من بيانات سابقة بعدم السفر نهائيا إلى الجمهورية اللبنانية وذلك منعاً لتعرض المواطنين لأية مخاطر وحرصاً على سلامتهم”.
وفي المقابل أعلنت وزارة الخارجية اليمنية ان الحكومة اليمنية استدعت سفيرها في بيروت للتشاور بشأن تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي “المسيئة لليمن”. ولفتت إلى أن “تصريحات مسؤول لبناني انحراف عن الموقف العربي الداعم للشرعية اليمنية”. واكدت “سنواصل مواجهة المشروع الإيراني ليكون اليمن صمام الأمان للمنطقة”.
ميقاتي وبلينكن
واما أبرز لقاءات ميقاتي أمس فكان مع وزير الخارجية الاميركية انطوني بلينكن الذي جدد خلال اللقاء “دعم استمرار جهود الحكومة في اعادة الاستقرار وتحقيق التعافي الاقتصادي والمفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي وصولا إلى تنظيم الانتخابات النيابية”. كما أكد “مواصلة دعم الجيش والقطاعات التربوية والصحية والبيئية”. ونقل “الاهمية والعاطفة الخاصة التي يكنّها الرئيس بايدن للبنان ولاستقراره وتعافيه، تمهيدا لنهوضه من جديد”. بدوره عرض الرئيس ميقاتي مقاربة الحكومة لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في لبنان رغم الظروف الصعبة على كل الصعد. كما عرض التحضيرات الحثيثة لاطلاق الخطة الاقتصادية وبدء التواصل مع صندوق النقد الدولي، طالبا دعم الولايات المتحدة لهذه المسار”. ووصف بلينكن اجتماعه بميقاتي بالـ”مثمر”. وقال في تغريدة: ناقشنا الحاجة إلى تنفيذ إصلاحات عاجلة لمعالجة الأزمة الاقتصادية في لبنان وإجراء انتخابات حرة ونزيهة العام المقبل”.
والقى ميقاتي عصرا كلمة لبنان امام القمة المناخية فأكد ” أنّ “لبنان يواجه تحديات جمة، بما في ذلك الأزمة الاقتصادية والمصرفية والمالية ناهيك ما نتج عن وباء كورونا وانفجار مرفأ بيروت وتبعات الأزمة السورية المزمنة”.
وشدد رئيس الحكومة على أنّ “العواقب المناخية السلبية ستزيد من حدة هذه التحديات على لبنان وتضاعفها، وستعيق أي تحسن في وضعه الاجتماعي والاقتصادي”. ولوحظ ان ميقاتي ختم كلمته بالإشارة إلى ان “لبنان يثمن عاليا جهود المملكة العربية السعودية وسلسلة المبادرات التي أطلقتها لحماية البيئة ومواجهة تحديات التغيير المناخي وحرصها على إطلاق مبادرة الشرق الأوسط الأخضر الذي سيعود بالفائدة على منطقة الشرق الأوسط ككل”.
قائد الجيش في واشنطن
أما التطور الذي استرعى اهتمام المراقبين فبرز في اللقاءات التي يعقدها قائد الجيش العماد جوزف عون في واشنطن اذ عقد أمس لقاءات مع عدد من المسؤولين الأميركيين استهلها في البيت الأبيض مع منسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا برات ماكغارك. وتابع لقاءاته في وزارة الخارجية الأميركية بحضور السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا والقائم بالأعمال في السفارة اللبنانية في واشنطن وائل هاشم، واجتمع بكل من مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى يايل لمبرت ومساعدة وزير الخارجية لشؤون التسليح والأمن الدولي بوني جينكينز اللتان اكدتا أهمية دور الجيش في استقرار لبنان، وشددتا على ضرورة دعمه لأن وحدة لبنان واستقراره لا تزال تشكل اهتماماً دوليًا.
وكان العماد عون التقى أيضاً في السفارة اللبنانية في واشنطن عدداً من أعضاء الكونغرس وأعضاء مجلس الأمن القومي ومجموعة من المسؤولين في وزارتي الخارجية والدفاع، ونواباً اميركيين من أصل لبناني بحضور السفيرة شيا. واستمع المشاركون من العماد عون إلى عرض عن واقع الجيش والتحديات التي يواجهها.
البيطار
في سياق اخر التقى المحقق العدلي القاضي طارق البيطار في مكتبه في قصر العدل، وفدا من أهالي شهداء فوج إطفاء بيروت. ونقلت عنه معلومات أنه لن يتراجع عن ملف مرفأ بيروت إلا إذا تم إستبعاده بالسبل القانونية المتاحة.
وشدد على انه يتابع التحقيق بكل جوانبه بالتوازي وإن مسألة الإستنسابية غير صحيحة، فالتحقيق يستدعي كل من وصلت إليه مراسلة حول ملف المرفأ واطلع عليها. ولفت إلى أن بعض المدعى عليهم قرّروا إتهامه بمعالجة جانب واحد من الملف، مؤكدًا أن هذا الأمر غير صحيح ولا يمكن الكشف عن التحقيق لأنه سري.
وأكّد البيطار أن الضغوط أو التهديدات لن تدفع به إلى الوراء.