حوّل التحرّك الاحتجاجي الذي دعا اليه «حزب الله» وحركة «أمل» أمام قصر العدل في بيروت، أمس، تنديداً بأداء المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار، المناطق المحيطة، لا سيما منها الطيونة وبدارو والشياح ـ عين الرمانة ساحة حرب، في ظلّ انتشار مسلّحين وقناصين على أسطح البنايات، وإطلاق قذائف B 7 ورصاص كثيف، ما أدّى الى سقوط 6 قتلى واكثر من 30 جريحاً في محصّلة غير نهائية، وتسبّب بذعر في بيروت وضواحيها ونزوح عدد كبير من السكان وإجلاء المدنيين من عدد من الابنية، في ظلّ انتشار كثيف للجيش اللبناني وعمله على ضبط الوضع وإيقاف المسلّحين.
«الثنائي» ينتظر
وقالت مصادر الثنائي الشيعي لـ«الجمهورية»: «نحن في مرحلة مفصلية من تاريخ لبنان والمهم ان نقوم بما يجب ان نقوم به، ونحن منسجمون مع انفسنا ومطمئنون الى أن موقفنا هو موقف حق يخدم المصلحة الوطنية العليا على مستوى الامن والاستقرار ويقطع الطريق على مشروع الفتنة المحبوكة خيوطه اميركياً والجاري تنفيذه بأدوات داخلية لبنانية، وهذه الادوات بعضها قضائي لا يقتصر على القاضي البيطار والبعض الآخر غير قضائي».
واضافت هذه المصادر: «لو عمد مجلس الوزراء يوم الثلاثاء الى اتخاذ الاجراء المناسب المتمثل بتكليف وزير العدل ان يقوم وفقاً لصلاحياته بإجراء كل ما يلزم وصولاً لوضع حد لارتكابات القاضي البيطار الرامية الى جر البلد الى فتنة لَما كان حصل ما حصل اليوم (أمس)، ونحن لن نتراجع عن موقفنا خصوصاً بعدما حصل ورأس الفتنة يقتضي عزله».
وقالت المصادر: «انّ ما حصل في مستديرة الطيونة هو نسخة منقحة وجديدة عن حادثة بوسطة عين الرمانة، ولولا حكمتنا لكنّا انزلقنا الى ما هو اخطر بكثير، ونضع اليوم دماء الذين سقطوا برقبة القاضي البيطار، وننتظر من رئيس الجمهورية بعدما أصبحت كل المعطيات والوقائع واضحة امامه وهي المعطيات التي لا يرقى اليها الشك في أننا امام قاضٍ يخدم اجندة تستهدف امن البلد واستقراره، ننتظر منه ان يخرجنا من هذا الأتون وان يحمل البلد ونراهن على انه لن يتوانى عن ذلك».
وعلمت «الجمهورية» ان عون اتصل امس بوزير الثقافة محمد مرتضى.
تعدد الروايات
وفيما تعدّدت الروايات حول ما حصل، أعلن الجيش اللبناني، أنه «خلال توجُّه محتجّين الى منطقة العدلية تعرضوا لرشقات نارية في منطقة الطيونة – بدارو، وقد سارع الجيش الى تطويق المنطقة والانتشار في احيائها وعلى مداخلها وبدأ بتسيير دوريات، كذلك باشر البحث عن مطلقي النار لتوقيفهم».
وفي بيان لاحق اكدت قيادة الجيش – مديرية التوجيه انه «أثناء توجه عدد من المحتجين إلى منطقة العدلية للاعتصام، حصل إشكال وتبادل لإطلاق النار في منطقة الطيونة – بدارو، ما أدى إلى مقتل عدد من المواطنين وإصابة آخرين بجروح». وأشارت الى ان الجيش «دهم عددا من الأماكن بحثا عن مطلقي النار، وأوقف 9 أشخاص من كلا الطرفين من بينهم سوري».
وكان وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي ترأس اجتماعاً لمجلس الامن المركزي بطلب من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. وأكد مولوي اثر الاجتماع، أنه «لم يكن لدينا معطيات أمنية، ومنظمو التظاهرة اكدوا سلميتها وهي مختارة من النخب، وليس لدى الاجهزة الامنية أي معلومات حول ما حصل». وقال: «إنّ الإشكال بدأ بإطلاق النار، من خلال القنص، وأصيب أول شخص في رأسه وهو ما اكدته الاجهزة الامنية، وهذا الأمر غير مقبول، واطلاق النار على الرؤوس يعد امراً خطيراً جداً».
وكان لافتاً اتهام قيادتي حركة «أمل» و«حزب الله» مجموعات من حزب «القوات اللبنانية» بـ»الاعتداء على المشاركين في التجمع الرمزي أمام قصر العدل في بيروت، والتي انتشرت في الاحياء المجاورة وعلى أسطح البنايات ومارست عمليات القنص المباشر للقتل المتعمّد، ما أوقع هذا العدد من الشهداء والجرحى». وسارعت الدائرة الإعلامية في حزب «القوات» الى نفي «الخبر الصادر عن قيادتي «حزب الله» و«حركة أمل» لجهة اتّهامهما «القوات اللبنانية» بالقتل المتعمّد»، واكدت أنّ «الأحداث مؤسفة على الأرض، هي موضع استنكار شديد من قبلنا، ما هي سوى نتيجة للشحن الذي بدأه السيد حسن نصرالله منذ أربعة أشهر بالتحريض في خطاباته كلّها على المحقّق العدلي، والدعوة الصريحة والعلنية لكفّ يده، واستكملها بإرسال مسؤوله الأمني وفيق صفا إلى قصر العدل مهدِّدًا ومتوعِّدًا القاضي بالقبع، وصولا إلى تخيير مجلس الوزراء بين التعطيل أو إقالة القاضي البيطار، وعندما وجد الحزب أنّ هناك عدم تجاوب مع تهديداته دعا إلى التظاهرة».
من جهته، دعا رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، أمس، رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزيري الدفاع والداخلية الى «إجراء تحقيقات كاملة ودقيقة لتحديد المسؤوليات عمّا جرى في العاصمة». وإذ استنكر «الأحداث التي شهدتها منطقة بيروت خصوصاً محيط منطقة الطيونة بمناسبة التظاهرات التي دعا إليها «حزب الله»، أكد أنّ «السبب الرئيس لهذه الأحداث هو السلاح المتفلِّت والمنتشر والذي يهدّد المواطنين في كلّ زمان ومكان».
وعلى اثر الحادث تسارعت الاتصالات على كل المستويات الرسمية والسياسية والامنية والعسكرية لمعالجة الوضع فيما انتقل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد اتصالات بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والقيادات العسكرية والامنية الى مقر وزارة الدفاع حيث التقى وزير الدفاع موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزف عون في غرفة عمليات قيادة الجيش لمتابعة مجريات الاوضاع.
وأكد ميقاتي «ان الجيش حامي الوطن ليس شعارا نردده في المناسبات الوطنية، بل هو فعل ايمان يترجمه الجيش كل يوم بتضحيات جنوده وشجاعتهم وحكمة قيادتهم، وهذا ما تجلّى اليوم في التصدي للاحداث المؤسفة التي وقعت في منطقة الطيونة». وقال «الجيش ماض في اجراءاته الميدانية لمعالجة الاوضاع واعادة بسط الامن وازالة كل المظاهر المخلة بالامن وتوقيف المتورطين في هذه الاحداث واحالتهم على القضاء المختص».
واصدر ميقاتي لاحقا مذكرة اعلن فيها: «يوم إقفال عام حدادا على أرواح الشهداء الذين سقطوا نتيحة أحداث اليوم (إمس)، بحيث تُقفل جميع الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات والمدارس الرسمية والخاصة».
وطمأن رئيس الجمهورية اللبنانيين في كلمة وجهها اليهم مساء امس الى أن «عقارب الساعة لن تعود الى الوراء، ونحن ذاهبون في اتجاه الحل وليس في اتجاه أزمة»، مشددا على انه «بالتعاون مع رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب لن نتساهل ولن نستسلم الى أي أمر واقع يمكن ان يكون هدفه الفتنة التي يرفضها جميع اللبنانيين». وإذ اعتبر ان «ما شهدناه اليوم مؤلم وغير مقبول بصرف النظر عن الاسباب والمسببين»، أكد انه «ليس مقبولا ان يعود السلاح لغة تخاطب بين الافرقاء اللبنانيين، لأننا جميعا اتفقنا على ان نطوي هذه الصفحة السوداء من تاريخنا».