إبراهيم درويش- العربي المستقل
كانت الرهانات كبيرة على سقوط حزب الله، كان البعض يتحيّن ساعة الصفر، لحظة يخرج اللبنانيون فيها هاتفين في وجهه: هذا ما أوصلتنا اليه.
كانت العيون شاخصة الى البيئة الحاضنة، لحظة ينفجر فيها كل شيء، فيقف حزب الله عاجزا أمام تراكمات الفساد السلطوي، وإنهيار النسيج الإجتماعي، في معركة أدواتها مقومات الحياة الأساسية، يفشل فيها الجميع عن تأمين الماء والدواء والكهرباء، والبنزين والمازوت، فيدفع التنظيم العسكري الكلفة الأكبر، من رصيد مؤيديه ومناصريه.
الرهان كان على حراك السابع عشر من تشرين حين خرج اللبنانيون على اختلاف إنتماءاتهم في وجه كل شيء، وكانت عدة الشغل اكتملت، لاستثمار وجع الناس في التصويب السياسي، وبدا واضحا الدق لفك لحام الساحة الآمنة للحزب، وكان سهلا على من تنقّل بين بعض الساحات ان يلتقط الشعارات المعلّبة، التي يعمل فريق عمل منظّم على دسّها، والتي كنت تهدف الى حصر أسباب الانهيار، بسلاح حزب الله.
وبخلاف، الإرادة الاشعبية وحتى الأصوات المرتفعة داخل بيئته الحاضنة، الا أن أمين عام حزب الله كان له رأيه المغاير في مقاربة الانهيار، وخرج ليشارك مناصريه توجساته ومخاوفه، وشرع في اولى خطواته الى تحصين البيت الداخلي للبيئة الحاضنة، وتفكيك ألغام التدهورالأمني.
تواصلَ العزف على أوتار الإنهيار، قفز الدولار فوق العشرين الف ليرة لبنانية، وفُقد كل شيء من السوق، وبدأ الحديث عن موعد الإرتطام الكبير، حيث كان من المفترض أن يتحول لبنان ساحة معركة، بلا ضوابط، وخطوط حمراء.
وقبل الغوص في نقطة التحول الكبيرة في هذا المشروع، لا بد من التوقف عند عاملين، شكلا عقبة أساسية أمام استكمال المشروع المجنون:
_ أمن كيان الإحتلال الإسرائيلي، الذي أدرك بالرسائل المباشرة، الميدانية منها والشفهية، وعبر القنوات غير المباشرة بأن تحول لبنان الى ساحة اقتتال، لن يبقيه خارج دوامة العنف، وهنا أيضا، كان للتحول في المنطقة دور كبير، ولا سيما، مع تزامن معركة سيف القدس، التي لا زال كيان الإحتلال يحاول التخفيف من ارتداداتها على الداخل المحتل, في ظل إنقسام سياسي حاد، يعاني منه الكيان، يراكَم عليها فشل المشروع الأميركي في سوريا، والعراق واليمن، امتدادا الى الضربة المؤلمة التي تلقتها الولايات المتحدة، في الساحة الأفغانية، والتي بدأت سريعا، تظهر ارتداداتها على السياسة الخارجية الأميركية.
_ القلق الأوروبي لا سيما من فرنسا والمانيا، حول ما يزيد عن المليون لاجئ من السوريين واللبنانيين الذين سيزحفون الى أوروبا، بحثا عن الإستقرار، في حال استكمل المشروع التدميري في لبنان، وهذا ما انعكس في المساعدات التي كشفت عن الإصرار الدولي، لمنع انهيار الجيش اللبناني، والمؤسسات الأمنية، وتجسد بمساعدات وهبات متتابعة، والضغط نحو تشكيل سريع للحكومة.
أما نقطة الفصل كانت، في الخطاب الذي مهّد له السيد نصرالله عبر الدعوة الى التوجه شرقا، الأمر الذي اعتبره البعض أن مجرد مناورة، لا يمكن لحزب الله أن يقدم عليها، وفي حال تجرأ عليها ستكون الولايات المتحدة بالمرصاد لخطوته.
تسارعت الأمور، ولم تحرّك الحكومة المستقيلة ساكنا، للجم التهاوي السريع، ولم ينجح رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، أو مُنع من تشكيل حكومة، واستُكمل المشروع، على اعتبار أن ما طرحه حزب الله، مجرد فكرة سريالية، سقطت في مهدها، ولن يجرؤ أحد على مجاراته بها، خوفا من العقوبات الأميركية.
خاطب السيد نصرالله جمهوره وخصومه في أكثر من خطاب، مؤكدا على ضرورة تشكيل حكومة على عجل، وكانت النقطة الأساس في خطابه أن حزب الله لن يقف مكتوف الأيدي، من دون أن يقدم أي تفاصيل عن رؤية حزب الله للأزمة، سوى عبر بعض المساعدات العينية، وتأمين المواد الغذائية بأسعار معقولة، بعيدا عن جشع المحتكرين.
وفي آخر خطاباته، كان الرؤية تبلورت لدى حزب الله، لينتقل العمل من الوعد الى التنفيذ عبر إعلان السيد نصرالله حسم القرار باستيراد النفط من طهران ليعلن في خطاب آخر، موعد إبحار الباخرة الإيرانية الأولى المحملة بالمازوت، على أن تعقبها باخرة أخرى في غضون أيام قليلة، ويتم اتباعها ببواخر محروقات، يحدد موعد ابحارها ومحتواها وفق الحاجة.
ولم يكتف السيد نصرالله بهذا الطرح، بل أعلن الجهوزية التامة، لمساعدة ايران الدولة اللبنانية في التنقيب عن النفط والغاز.
هذا التحول الكبير، بات من المستحيل مقاربته من الزاوية الاقتصادية او المعيشية حصرا، انما هو التاريخ الأهم لحزب الله في مرحلة التحول من حزب سياسي عسكري بمهمة دفاعية، الى حزب يحمل مشروعا ورؤية، قطع شوطا هاما في مرحلة إرساء دعائمهما، مع العلم أن البنزين والنفط الإيرانيين لن يكونا آخر المستوردات، وليسا آخر أوراق حزب الله، في مقاربة الازمة، الذي لا يختلف اثنان على انها داخلية، ولكن قد يختلف الاثنان، على الدور الخارجي، في تفاقم هذه الازمة، وفي دعم المشروع الاقتصادي- السياسي للطبقة السياسية، وتحفيزها على الاستدانة، وعلى قوقنة الفساد.
معركة جديدة اثبتت الإدارة الأميركية، حساباتها الخاطئة في وجه، لكسر حزب الله، الذي شرع بسد الثغرات والفجوات التي كان بإمكان، العدو يتسلل منها، لتوجيه لكمات قاسية له، في عقر داره.
يقول المثل الضربة اللي ما “بتقتلك بتقويك”، ولغة العقل تحدث بأن حزب الله نجا من القتل العسكري، والإغتيال السياسي والاقتصادي، بصلابة، وبعيدا من المشاعر والعواطف، فيبدو ان ما زرعه حزب الله في موسم القحط لدى كثيرين، أثمر، وضرب موعدا قريبا مع الحصاد، (وللحديث تتمة).