أمضى عدد كبير من سكان منطقة النبطية أمس نهارهم بحثاً عن الانترنت، فالشبكة انقطعت لساعات طويلة، ما ينذر بأزمة “تواصل وإتصال” باتت وشيكة مع تكرار توقف الارسال وخروج الـ4g عن الخدمة لساعات، هذا ناهيك عن معاناة المواطن في إجراء أي اتصال، ما يشي بأن زمن العصر الحجري دنا، وبات قاب قوسين بعد اكتمال كل العناصر المساعدة لتلك العودة، سيما وأن ازمة مياه بدأت تلوح في الافق، وتوقف عمليات الضخ من نبع الطاسة وتوقف أصحاب الآبار الخاصة عن ضخ المياه للصهاريج بسبب نفاد المازوت وصعوبة شرائه من السوق السوداء بعدما لامس سعر التنكة المليون.
لم يعد سهلاً الاتصال بشبكة الانترنت في منطقة النبطية، ولا حتى بشبكة الاتصالات العادية، فالخدمة رديئة جداً، وتنقطع مع انقطاع التيار الكهربائي، الامر الذي بات يشكل عبئاً كبيراً على المواطن الذي شارف على فقدان لغته الرئيسية في التعبير والتواصل، وبعدها لكل حادث حديث.
أكثر ما يستفزّ جهاد هذه الايام انه قد يخسر الانترنت، اذ بالكاد يلتقطه هذه الايام، ويبحث عنه بين شارع وآخر، عله يجد إشارة، من دون جدوى. وفق جهاد “الانترنت داخل المنازل تحديداً الـ4g مقطوع نهائياً توازياً مع الكهرباء، وفي الخارج جداً ضعيف، ما يضعنا أمام معضلة حقيقية، أقلّه كان يسلينا فترة الانتظار الطويلة في طوابير الذلّ على المحطات”.
مرحلة جديدة من الازمات دخلتها المنطقة، سيما لمحدودي الدخل ممّن باتوا يقلقون على رغيف خبزهم المفقود. منذ يومين ويبحث عباس عن ربطة خبز في دكاكين بلدته من دون جدوى، لم يتمكّن من العثور على ربطة صغيرة، لا يملك بنزيناً في سيارته ليقصد الفرن الذي يبعد عنه مسافة ربع ساعة، ما يضطره للانتظار علّه يتمكّن من استعطاف دكنجي ليؤمّن له ربطة، يدرك أن الربطة لا تكفيه، فهو يحتاج يومياً الى ربطتين ونصف من الخبز نظراً لانخفاض وزنها وحجمها، غير انه يرضى بما يرزقه الدكنجي، ما يقلقه أنه بات يخشى فقدان رغيفه نهائياً فالامور بنظره تتجه نحو التدهور السريع.
لم يشهد ازمة مماثلة سابقاً، ابن الـ64 ربيعاً يرى أن ازمة الرغيف اليوم مفتعلة، اذ يسأل كيف يتوفر المازوت للخبز الافرنجي واخواته، ولا يتوفر لرغيف الفقراء، اليس هذا الاحتكار بعينه”؟
يتوافق رأي احمد صاحب دكان في بلدة كفرجوز مع رأي عباس، بحسب أحمد الذي يعاني نقصاً حاداً في الخبز، فإنه يجد صعوبة في تأمين حاجته، فالموزعون لا يعملون، لم يحضروا منذ بداية الازمة، جازماً بأن ازمة الرغيف ما هي الا لتجويع الناس أكثر واذلالهم في لقمتهم المتبقّية. وفق أحمد، فإن الطحين والمازوت متوفران للخبز الافرنجي والتنور والباتيسري، ومحجوبان عن الخبز العربي، الامر الذي يؤكد ان الازمة مفتعلة وهي وسيلة للضغط أكثر على المواطن الذي يمضي نهاره بحثاً عن رغيفه من دون جدوى، او يضطر للطلب من احد القادمين من بيروت وصيدا احضاره معهم، ولا يخفي القول ان أزمة الرغيف ما هي الا ورقة ضغط قاسية على الناس ممّن ذاقوا ويلات الحروب كلها، غير أنهم لم يتجّرعوا كأساً مرّاً كهذا.
لم تتحلحل ازمة الرغيف، فالناس في الطابور داخل الفرن، هنا تتلمّس معاناتهم، فقرهم وحاجاتهم لرغيفهم اليومي. في الفرن تتعرّف على وجع فادي وقهر ام مروان، ويأس عصام، الشاب الذي يقصد الفرن كل يوم برفقة عدد من رفاقه لتأمين الخبز للمطعم حيث يعمل، فالأفران لا تبيع الا ربطتين، والمطعم يحتاج ما يزيد عن الـ15 ربطة يومياً، مؤكداً أنه اذا استمر الحال على ما هو عليه قد يقفل المطعم الذي يواجه ازمة كهرباء وغاز وخبز وارتفاعاً كبيراً في السلع الاساسية.
تتسابق الايدي لالتقاط ربطة خبز مفقودة من الدكان، يحاولون الحصول على اثنتين وثلاثة من دون جدوى، فالفرن حدّد نظامه بربطتين فقط. هنا يكيل الناس للسلطة، يرونها مصدر اذلالهم، يخشون تفاقم الازمة وأن يستيقظوا يوماً على أزمة معقدة للغاية.
عدد من الافران أقفل ابوابه، ومن يعمل لا يكفيه المازوت حتى الغد ما يضع المنطقة أمام ازمة اخطر، سيما مع توقّف الموزعين عن العمل.
صحيح أن الأزمة سببها فقدان المازوت في الظاهر، لكنها في الجوهر أزمة ” تكسير رؤوس” على حساب المواطن الذي يشكّل كبش المحرقة في ملعب الازمات.
رمال جوني في “نداء الوطن”