فــتــنــة خــلــدة الــمــدبّــرة… مــن الــمــسـؤول عــن الــتــقــصــيــر الأمــنــي؟

 

 

سُفِكَت دماءٌ مظلومة في خلدة أمس أذكت فتنةً كان جمرُها، ولا يزال، كامناً تحت الرماد. لكن «فتنة خلدة» لم تكن وليدة اللحظة، إنما صنيعة يد خفية نفخت في نارها.

حتماً لم تكن عملية ثأر، وإلا لاكتفى الطالب بدم المقتول بغريمه بحسب «قانون العشائر». مشهد الضحايا المخضّبين بدمائهم أمس كان يُراد منه إشعال فتنة سنية ــــ شيعية.

وهنا تُستحضر جولات المندوب السامي السعودي وليد البخاري على العشائر العربية في الشمال والبقاع وخلدة، ومشهد عدد من أفراد العشائر الذين حجّوا إلى سفارة «مملكة الخير» أيام اعتقال محمد بن سلمان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في الرياض.

قدمت العشائر فروض الطاعة للرياض التي رأت فيهم بديلاً لمواجهة حزب الله. عصبُها الديني وعصبيتها القبلية وقدرتها على القتال وحمل السلاح رجّحت كفّتها على تيار المستقبل الذي لم ينجح في المهمة التي كلّفه بها ولاة الأمر السعوديون.

عضّ حزب الله على جراحه أمس، وأمهل الأجهزة الأمنية لتوقيف لائحة مطلوبين متورطين في الجريمة التي ارتُكِبت في وضح النهار وعلى مرأى من دوريات الجيش والأجهزة الأمنية،

وعن سابق تصور وتصميم وكأن هناك من يريد تحقيق «نبوءة» وقوع أعمال أمنية قبل حلول ذكرى انفجار الرابع من آب.

ليل السبت قُتِل علي شبلي غدراً في حفل زفاف. أُوقِف قاتله وسُلِّم إلى الجيش. ظُهِّرت الجريمة على أنّها ثأر من شقيق لمقتل شقيقه قبل عام.

لملَمت عائلة شبلي جراحها وجثمان ابنها لتدفنه في بلدته كونين الجنوبية، وأصرّت على أن يُجرى الوداع الأخير له في منزله في خلدة رغم نصائح من مسؤولي حزب الله بعدم مرور موكب المشيِّعين في المنطقة.

بناءً عليه، أُبلغت الأجهزة الأمنية والجيش بالأمر لاتخاذ ترتيبات أمنية ومؤازرة المشيّعين. إلا أنّه أثناء توجّه المشيِّعين إلى فيلّلا شبلي في خلدة أمس، قبل الانطلاق جنوباً، استهدف قناصون الموكب من على سطوح المباني، وأُطلِقت النار من كمين في تلّة عرب خلدة المتاخمة للفيلّلا باتجاه المشيِّعين.

فأُصيب أربعة منهم إصابات قاتلة، ثلاثة منهم في الرأس، والرابع في الرقبة. وعُرِف من بين الضحايا الطبيب محمد أيوب، صهر المغدور شبلي، وعلي حوري وحسام العالق.

كما كان من بين المصابين شابٌ سوري توفّي متأثراً بجراحه. فيما أصيب عسكريُّ في الجيش بجروح.

كان كميناً بكل معنى الكلمة. وحتى لجوء العشائر إلى التبرير بأن بعض المشيعين نزعوا صورة الضحية حسن غصن وعلّقوا راية حزب الله مكانها، كان عذراً أقبح من ذنب، وخصوصاً أن أهل المغدور شبلي سلّموا قاتله إلى الجيش.

اللافت في مقاطع الفيديو التي انتشرت، وتحديداً الذي جرى تداوله على أنه كان شرارة الإشكال، ظهور آلية للجيش اللبناني من دون أن يُحرِّك عسكريوها ساكناً كأنّ الأمر لا يعنيهم.

كما أنّه رغم التوتّر الأمني الشديد وتقارير مخبري الأجهزة الأمنية عن وجود استنفار شديد، ما يفرض على الجيش التعامل مع الأمر بحزم، إلا أنّه تصرّف على طريقة الأفلام المصرية ليتدخّل بعد وقوع الواقعة.

وبعدما تحوّلت شوارع خلدة إلى خطوط تماس، واستهداف عمليات القنص السيارات التي كانت تجتاز الأوتوستراد، ما دفع بالبعض إلى ترك سياراتهم وسط الطريق والفرار.

فيما حوصر أفراد عائلة شبلي في منزلهم مع جثمانه، إلى أن أمّن الجيش خروجهم بعد ساعات.

بعد إطلاق نار متبادل تطور إلى اشتباكٍ مسلّح، صدر بيان شديد اللهجة للجيش هدّد بإطلاق «النار على كلّ مسلّح يتواجد على الطريق في منطقة خلدة، وكل من يُقدم على إطلاق النار من أي مكان آخر».

وسارع بعدها السياسيون إلى إطلاق دعوات إلى التهدئة وإدانة الحادثة قبل أن يخرج النائب حسن فضل الله في مقابلة تلفزيونية متحدثاً بلهجة شديدة عن «حادث مفصلي وكمين مدبّر».

*وسأل:* «ألم تكن هناك معلومات لدى الأجهزة الأمنية بأنّ هناك مسلّحين على سطوح البنايات؟»، وشدّد على أن «رؤوس هذه العصابة وأفرادها يجب أن يُسلّموا.

مخابرات الجيش وفرع المعلومات والأمن العام وأمن الدولة مسؤولون. هؤلاء عصابة ولا يمتّون إلى العشائر بصلة».

*وأضاف فضل الله:* «جمهورنا يطالبنا باجتثاث هذه العصابات، ونحن قادرون على أن نجتثّها بخمس دقائق. وإن كنتم لا تُريدون فتنة، سلِّموا القتلة.

الأجهزة الأمنية تعلم أننا لم نواكب التشييع وكان عليها أن تحمي التشييع». وختم فضل الله: «للصبر حدود وعلى الأجهزة الأمنية أن تفكك هذه العصابات».

وعلمت «الأخبار» أنه باتت لدى الجيش لائحة أسماء مطلقي النار الذين شاركوا في الجريمة، وأن المفترض تنفيذ حملة لدهم منازلهم وتوقيفهم.

ويعود الخلاف إلى العام الماضي إثر مقتل الفتى حسن غصن بإطلاق نارٍ في خلدة على خلفية اعتداء مجموعة من العشائر على سنتر شبلي وإحراقه.

يومها زعم الفاعلون أنّ شبلي رفع صورة للقيادي في حزب الله سليم عيّاش المتهم باغتيال الرئيس رفيق الحريري، إلا أنّ الفيديوات يومها أظهرت أنّ الخلاف سببه رايات عاشورائية.

اتهمت يومها عائلة غصن علي شبلي بالوقوف وراء مقتل ابنها، لتبدأ سلسلة مفاوضات لحل الخلاف. وفوّض أهالي غصن رئيس اتحاد العشائر العربية جاسم العسكر التفاوض باسمهم مع حزب الله.

وبالفعل حصلت عدة لقاءات في منزل الوزير السابق طلال أرسلان (والد الضحية ينتمي إلى الحزب الديموقراطي اللبناني) بين اتحاد العشائر العربية والحزب.

وبحسب المصادر، وافق حزب الله على شروط أهل الضحية بمغادرة شبلي منطقة خلدة لمدة ٣ سنوات، بعدما كانوا يطلبون أن يغادرها لاثني عشر عاماً.

واتُّفق على أن يعوّض حزب الله لآل شبلي عن حرق السنتر وتشكيل لجنة أمنية مشتركة بين الحزب والعشائر لمنع أي استفزاز، على أن تكون اللجنة برئاسة العشائر العربية.

وبعد الموافقة النهائية، حصلت تدخلات من أفراد عملوا على إفساد الاتفاق. إذ يقول أفراد من عائلة غصن إنّ الشرط الأساسي كان أن يُسلّم شبلي نفسه، إلا أنّ عائلة الأخير تردّ بأنّ طرح دفع الديّة والترحيل كان عوضاً عن التسليم.

مشيرة إلى أنّه أثناء استكمال إجراءات المصالحة، عاد أهل الضحية الى المطالبة بتسليم شبلي، ما دفع بجاسم العسكر إلى الانسحاب من الوساطة.

 

رضــوان مــرتــضــى – الأخــبــار