تمّ “أخذ عينات من كل المناطق وتبين وجود “دلتا” فيها جميعاً ….هل يتكرر السيناريو؟

70% من الفحوص في لبنان تعود لـ “دلتا” والقطاع الصحي منهك

هل يتكرّر سيناريو الأعياد؟

“النهار”- ليلي جرجس
ستُكلفنا القرارات العشوائية والاستنسابية الثمن غالياً، وبدأنا نلمس ما تكبده قرار عودة السياحة وفتح المطار. وما جرى في عيد الميلاد ورأس السنة قد يتكرر مع السلالة الهندية في حال لم يتخذ المعنيون قرارات حازمة وصارمة. كيف يمكن أن نفسر قرار فرض حجر صحي على القادمين من بعض الرحلات في حين أن رحلات أخرى غير ملزمة به؟ كيف لهذا القرار أن يحمي لبنان من سلالة “دلتا” التي تسللت عبر المطار وباتت منتشرة في مناطق لبنانية عدة.

ما من شك في أن متحوّر “دلتا” منتشر في لبنان بقوة، التساهل في الإجراءات وعدم اتخاذ أي خطوة للحدّ من هذا الفلتان سيودي بنا إلى كارثة صحية. وإذا استمرت الإجراءات على حالها، فإن الوصول إلى موجة ثانية يصبح واقعاً محتوماً، لا قدرة لنا على تحمل تبعاته.

لا يُخفي الدكتور في العلوم البيولوجية والأستاذ المحاضر في كلّية العلوم في الجامعة اللبنانية فادي عبد الساتر لـ”النهار” تخوفه مما يراه، واستناداً إلى الفحوص المخبرية يبدو واضحاً أن السلالة الهندية أو “دلتا” مسيطرة على لبنان. وستظهر الأرقام وازدياد الإصابات كمؤشر على انتشارها، ومن المتوقع أن تزيد نسبة الفحوص بعد تخوف البعض من هذه السلالة، وبدأنا نلمس ازدياداً في إجراء فحوص الـPCR مقارنة بالفترة السابقة”.

وأشار إلى أن “70% من فحوصات الوافدين الإيجابية هي إيجابية على متحوّر “دلتا”. في الداخل لا إمكانية للإحصاء حالياً، مع العلم أنه من الممكن أن تكون نسبة الإصابات المحلية بـ”دلتا” من العدد الاجمالي للمصابين أكثر من 70%. لقد بدأنا بفحوص “دلتا” منذ نحو الأسبوع، ويوم الخميس الفائت كان أول إجراء لفحص هذه السلالة. ولقد عدنا بالعينات إلى شهر أيار حيث كانت الشكوك تدور حول سلالة جنوب أفريقيا، لكن النتائج جاءت سلبية، ليتبين لنا أنها تعود إلى المتحور الهندي”.

 

بطريقة أخرى، وأكثر تبسيطاً، فإن متحوّر “دلتا” موجود منذ أيار على غرار السلالة البريطانية التي تبين لاحقاً أنها موجودة منذ تشرين الثاني، إلا أن الموجة القاسية كانت في كانون الثاني بعد فتح المطار والبلد بشكل كامل.

إذاً، نحن اليوم أمام سيناريو مشابه، وفق عبد الساتر، لأن “السهرات والحفلات والمقاهي كلها ممتلئة، ومن دون الالتزام بأدنى اجراءات الوقاية. صحيح أن 70% من المسجلين فوق الـ50 عاماً تلقحوا، ويبقى 30% من هذه الفئة العمرية غير ملقحة، بالإضافة إلى النسبة الكبيرة من الشباب غير الملقحين، وهم معرضون للإصابة بالفيروس وبمضاعفات المرض خصوصاً عند الأشخاص الذين يعانون مشاكل صحية مثل ضعف المناعة وغيرها”.

لا يمكن التعويل على وعي القادمين ومدى التزامهم بالحجر، لقد علّمتنا التجارب السابقة أن البعض لا يلتزم بأدنى التدابير وإجراءات الحجر. ولكن السؤال الأهم: من يراقب مدى التزام القادمين بالحجر؟ وهل القادم سيرضى بالبقاء في المنزل مدة اسبوعين خصوصاً في غياب أي عوارض؟ ومن يضمن عدم اعطاء معلومات مغلوطة عن أرقام هواتف للتهرب من هذه المراقبة؟ أسئلة كثيرة نتوقف عندها، في ظل الفوضى وغياب حس المسؤولية عند البعض.

بالنسبة لعبد الساتر، “يبقى الأصعب مراقبة الأشخاص الحاملين للفيروس ولم يكشف فحصهم الأوّلي ذلك كونهم في بداية الإصابة، ما يعني انهم بعد أيام سيتحولون إلى ناقلين صامتين للعدوى نتيجة إصابتهم. نستقبل 10 آلاف مسافر يومياً، هل تتخيلون ماذا ينتظرنا وكم نسبة الفحوص الايجابية التي ستظهر في المرحلة المقبلة؟ وما تكشفه نتائج الفحوص في المطار ليس سوى عينة عن واقع وبائي أكبر. لذلك نحن بحاجة إلى الترصد والمتابعة الحثيثة لكل المناطق اللبنانية للتأكد من مستوى تفشي #سلالة دلتا على أرض الواقع”. لأن الاصابة بمتحوّر “دلتا” كما كشف عبد الساتر ” لم تعد محصورة بصفوف الوافدين وإنما رُصدت في خانة الإصابة المحلية. وفي ظل استهتار المقيمين والوافدين نحن مقبلون على كارثة صحية، ويبقى الأمل الوحيد في زيادة نسبة التطعيم لأن النسبة الحالية غير كافية لصد موجة ثانية.

القطاع الصحي منهك ومنهار ويعاني نقصاً حاداً في المستلزمات الطبية والأدوية. الخبر الوحيد الإيجابي هو زيادة نسبة الإقبال على التطعيم الذي سيؤمن المناعة المجتمعية في وجه هذا المتحور. في المقابل تتمثل الخطورة في قدرة انتقال هذا الفيروس بنسبة أكبر من السلالة البريطانية، وقد اثبتت الدراسات أن متحور “دلتا” لديه قدرة على الالتصاق أكبر بالخلايا ونقل العدوى بطريقة أسرع. ويعتبر الأطفال مصدر عدوى صامتاً، وعلينا التشدد بالإجراءات الوقائية لحمايتهم وحماية من نحب”.

في الوقت الحاضر، لا تعني الأرقام شيئاً وعلينا العودة إلى عينات سابقة لترصد التسلسل الجيني ووجوده في لبنان. لكن يؤكد عبد الساتر أنه تمّ “أخذ عينات من كل المناطق وتبين وجود “دلتا” فيها جميعاً. ما يعني أن متحوّر “دلتا” موجود وبكثرة. وعليه، يجب أن نعرف أن الترصد عبر فحص الـPCR يبقى افضل طريقة لاكتشاف الـ”دلتا”، ويكون وجود طفرة ليست موجودة إلا في هذا المتحور وتعطيه هوية”.

وأمام هذا الواقع، تبقى الوقاية أفضل وسيلة للحماية والتطعيم السبيل الوحيد لتجنب كارثة صحية وموجة قاسية، لأن نظامنا الصحي منهك ومنهار ولا قدرة لنا على التحمل. على الناس أن ترتدي الكمامة وتحافظ على التباعد الاجتماعي وغسل اليدين، فالرجاء الوحيد الوعي والمسؤولية لعدم تكرار سيناريو السلالة البريطانية.