عمليات في غرف الطوارئ مع أوجاع شديدة تفضى الى اجرائها من دون بنج كافٍ…

ما كنا نتغنى به في السابق بأن لبنان مستشفى الشرق الأوسط، لم يعد يصلح في أيامنا هذه. وصلنا إلى الحضيض في القطاع الاستشفائي، أدوية مقطوعة، بنج محدود، غرف محجوزة للميسورين، ومعالجة “ع التقدير” بعد تعذر اجراء الفحوص والأشعة. أبسط ما يمكن أن نتمناه اليوم بعد القصص والمشاهد التي نسمعها أخيراً “الله ما يعوزنا لا حكيم ولا مستشفى”.
ما تشهده أروقة المستشفيات وجدرانها مخيف وصادم، البعض يقول إنها مبالغة، إلا أن المفارقة اليوم أننا جميعنا نعرف أنها الحقيقة. لقد وصلنا إلى القعر، جراجات تُجرى داخل غرف الطوارىء، ساعات وساعات من الانتظار قبل تأمين المستلزمات الطبية و”الكاش” طبعاً. المتاجرة بحياة المرضى مرعبة، جريمة موصوفة، ولكن في بلد مثل لبنان، لم يعد ما يثير الاستغراب!
الموجع المبكي أن يتوفى حسن فواز بعد اجراء ثلاثة عمليات طبية في غرفة الطوارىء في أحد مستشفيات الجنوب. تشك العائلة في اعطائه البنج وما تحمله من أوجاع وانتظار ومعاملة سيئة، ما جرى معه يجب أن لا يمر مرور الكرام.
تفاعل كثيرون في مواقع التواصل الاجتماعي مع قصة حسن فواز، والبعض قاربها مع السيدة الاولى التي تتماثل في الشفاء في احد مستشفيات بيروت بعد اجراء جراحة لوركها. بالطبع هي لن يكون عليها أن تعيش الذل في الحصول على الخدمة الطبية وعدم ايجاد سرير كما جرى مع فواز.
بالعودة إلى قصة العمّ فواز، يروي ابنه أود لـ”النهار” تفاصيل ما جرى بالقول “كان والدي يعاني سرطاناً وخضع للعلاج الكيميائي الذي تسبب له بعد 3 أشهر بتوقف الكلى. ومن السرطان إلى غسيل الكلى، بدأ رحلة العلاج المزودجة، ومعها المعاناة في ايجاد الأدوية له. وبعد أن نجحت في تأمين ظرفين من الأردن بمبلغ 9 ملايين ليرة، باتت كل محاولاتنا الأخرى بالفشل”.
لم يعد حسن فواز يأخذ أدويته كما يجب، ولم يعد الوجع يحتمل أيضاً. بات أمام معادلة صعبة لا يجد لها سبيلاً أو مخرجاً. تدهورت حالته كثيراً، لم يعد قادراً على المشي، نقص حاد بالدم وعدم قدرة على تحمل تكاليف نقل الدم عند دخول المستشفى.
كان على العمّ فواز الذهاب إلى جلسة غسيل الكلى، ليتفاجأ العاملون في المستشفى أن جسمه مسمم بشكل كبير، والقسطرة التي يتمّ وصلها على آلة الغسيل لم تعمل. ونتيجة حالته الخطيرة والتسمم، لم يكن أمام العائلة إلا انتظار قرار الطبيب المتابع لمعرفة الخطوة التالية. ويشرح أبنه أود “انتظرنا في الطوارىء إلى حين صدرور نتائح الفحوص والأشعة، بقينا ساعات من دون أن نسمع خبراً من أحد. ولدى سؤالنا عما يجري، ياتي الجواب أننا ننتظر تأمين المستلزمات الطبية. ولم يكن من الممكن وضعه في غرفة العناية الفائقة لأن لا أسرة شاغرة بحسب المستشفى، لنكتشف في ما بعد أنها فارغة”.
يتابع أود “وبعد ساعات طويلة على وجودنا في الطوارئ، وضعنا الطبيب أمام حلين: إما نعود به إلى المنزل ويتوفى بعد 48 ساعة أو نجري له جراحة في رقبته بهدف وضع جهاز يسمح بإتمام عملية غسيل الكلى، نتيجة تعذر التخلص من السؤائل في جسمه”.
لم أكن لأقبل بأن يعود أدراجه، وكان علي انتهاز كل فرصة حتى الرمق الأخير. وافقنا على الجراحة، وفي انتظار وصول الطبيب اتفاجأ بإتصال شقيقتي تطلعني بأن الجراحة ستُجرى في الطوارىء. لم أصدقها، كنت أنهي بعض الأوراق عندما اتصلت بي، قلتُ لها يستحيل ذلك. إلا أنها كانت محقة. وبالفعل أجروا الجراحة في الطوارىء ولكنها لم تنجح. ولم يعد أمام الأطباء سوى المحاولة مرة ثالثة في الفخذ”.
كان والدي يصرخ متألماً، لم يكن أحد يشعر معه. وكأن الجميع فقدوا مشاعر الإنسانية لوهلة. خرج والدي من الطوارئ إلى غرفة العناية فاقداً للوعي. كان في غيبوبة وحالته سيئة جداً. أصبحت الغرفة متوافرة فجأة، وأدخلوا والدي إليها من دون السماح لنا بزيارته أو الدخول إليه”
“كانت حالة والدي سيئة جداً” وفق ابنه أود “لم يصمد لساعات قبل أن يرقد بسلام. انخفض ضغطه إلى 4 ومن ثم توقف قلبه في ساعات الفجر الأولى. أسلم الروح بعد أن عاش الألم والذل في آخر أيام حياته. ما يؤلمنا أن موته بهذه الطريقة لا يليق به. الاهمال الطبي يقتلنا جميعاً”.
يتساءل أود “ما هي الحالة الطارئة بالنسبة إلى الأطباء والعاملين في المستشفى حتى يتحركوا سريعاً؟ أعرف جيداً أن حالة والدي الطبية هي حالة ميؤوس منها كما يصفونها طبياً، ولكن هل يبرر ذلك الاهمال والتأخير في اجراء الجراحة له والظروف التي اجريت بها؟ ما أعرفه أن صراخ والدي كان عالياً وهذا يجعلنا نشك بإمكانية تخديره، ما جرى معنا لا نتمناه لأي انسان “الله لا يجرب حدا يلي ذقنا من وجع وقهر”.
يختم أود رسالته “ارتاح من غسيل الكلى، والدواء المقطوع، والذل في المستشفيات. لا يريد الدخول في تسمية المستشفى، ما يهمه معاملة المريض وعدم التعامل معه من دون رأفة أو انسانية. الكل يعاني من وضع البلد، نقص في المستلزمات الطبية والأدوية، ولكن الناس تدفع الثمن. وما شاهدناه في غرفة الطوارىء ليل 10 و11 من هذا الشهر أكبر دليل على فوضى الاستشفاء والجراحات لمرضى صغار وكبار “شي بخوّف”.
المصدر: النهار