العربي المستقل
كتب ابراهيم درويش
هناك عند المغتسل وقبل الشهقة الأخيرة، كان اللبنانيون يرتشفون دماء بعضهم بعضا بنهم، بعطش مريب.
إبراهيم درويش_ العربي المستقل
لم يستغرق الأمر مطوّلا… لتنجز عمليّة ترويض اللبنانيين، لم يحتج الأمر الى بنج، بات يتعذّر الإستحصال عليه في أهم المستشفيات اللبنانيّة.
لم يكن في بال اللصوص أنّهم قد يحظون بهذه الفرصة الذهبية، شعب مطواع، موضّب في علب مذهبيّة وطائفيّة، وهجّن فطريا على نهش لحم بعضه بعضا.
هول الأحداث كان كفيلا، أن يكدّس الضحايا، جثثا متناثرة الأشلاء، على اختلاف إنتماءاتها وقراءاتها، ولكن هناك عند المغتسل، وقبل الشهقة الأخيرة، كان اللبنانيون يرتشفون دماء بعضهم بعضا بنهم، بعطش مريب.
لم يكن الأمر يحتاج الى الإلتفاف والى التكافل والتضامن، فطعم الموت واحد، وآلة القتل واحدة، وجلّ المطلوب كان، أن نموت بسلام، بهدوء وطمأنينة، من دون أن نمنح القاتل، لذّة طأطأة الرؤوس، تهليلا وإعجابا بحد سكينه.
خارج المغتسل الذي كان يضج بطوابير المنتظرين دورهم، كان حبّ الحياة يدغدغ مشاعر البعض، كانوا يفتحون شفاههم اليابسة بثقل، ليلفظوا حروفا، تغادر مكانها بعجز، “مصّوا دماءنا، لكن برفق ورقّة، حاولوا قدر الإمكان الا نتألم كثيرا'”.
خيّل للبعض، أنه يمكن لمصّاصي الدماء، أن يبدّلوا سريعا في سلوكيّاتهم، وأنهم يملكون القدرة على التحكّم بأنيابهم، وأنها قد تكون ألين على أبناء جلدتهم، لم يقرأوا في كتب الأمس، وغضّوا أبصارهم عن الواقع، وتنصّلوا من أيّ دور يلعبوه في رسم المستقبل، تحت حجة أن المستقبل ليس بأيديهم، على الرغم من أن الحاضر كان في الماضي مستقبلا، باعوه لحظة ما ارتضوا هذا البلد فندقا سيء الخدمات، فاستحالوا مواطنين بواجبات من دون حقوق.
لمَن لم يشاهد في طفولته أفلام مصاصي الدماء، ولم يقرأ قصصهم، أخبروه بأن هؤلاء، لا يرتووا قبل آخر قطرة دم، أخبروهم، بأن هؤلاء، يرهبهم الضوء، والنور، وأنكم ما لم تشعلوا قلوبكم حرية، وحبا، وصدقا، وتكافلا، وتضامنا، وتوحدوا جبهاتكم، في وجه اللص والسارق، فلن يرتدعوا قبل آخر قطرة، في أوردتنا وأوردة أطفالنا.
هذا مسرحهم وهذا ملعبهم، فهذا الليل يسيّل لعابهم، ويفتح شهيّتهم، وسيشهرون شتى أنواع أسلحتهم، سيستبيحون كل شيء، قد لا يكون لنا حظوظ كبيرة بالنجاة، لكن أقله، المطلوب منا، الا نسلّم رقابنا بذل وهوان، واستسلام، لكي لا يلعننا أطفالنا غدا، على إرث فاسد، رسخنا دعائمه بخنوع.