الازمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بلبنان أرخت بظلالها على مختلف القطاعات وفئات المجتمع الللبناني ولعل أسوأ ما في الامر انهيار العملة الوطنية وفقدانها لأكثر من 85 في المائة من قيمتها. فمع تراجع سعر صرف الليرة اصبح الحد الأدنى للأجور في لبنان من بين الأدنى عالميا، ووصل الى حوالى 72 دولارا فقط، وتراجع الحد الأدنى للأجور بنسبة 84%.
ومن بين المتأثرين بهذه الازمة موظفو القطاع العام الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية وتآكلت بفعل التضخم وارتفاع الأسعار وانهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار، كذلك رواتب اساتذة الجامعة اللبنانية والموظفين الذين اضطر قسم كبير منهم للهجرة من اجل البحث عن حياة كريمة وتأمين ابسط متطلبات الحياة التي لم تعد ممكنة في لبنان.
حلواني
وعن هذا الموضوع، قال رئيس الهيئة التنفيذية للاساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية الدكتور عامر حلواني، : “الانهيار الاقتصادي الحاصل انعكس على اساتذة الجامعة اللبنانية وأصبحت قيمة الرواتب زهيدة جدا ما دفع قسما كبيرا منهم الى الهجرة خصوصا المتعاقدين الذين يتقاضون رواتبهم نهاية السنة. ونتخوف ان نشهد المزيد من الهجرة اذا بقي هذا الجو القاتم”.
واشار الى مشكلة موازنة الجامعة الزهيدة “التي لم تعد تسمح بشراء الحاجيات بالدولار كالمازوت والورق والحبر”، مؤكدا “ان رئيس الجامعة الدكتور فؤاد ايوب يعمل على حل هذه المشكلة لان الجامعة بحاجة الى ان يكون قسم من موازنتها بالدولار لشراء التجهيزات والتجهيزات المخبرية التي تباع بالدولار. وأسف لان البلد والشعب متروكان، آملا “ان تتشكل حكومة في اسرع وقت ممكن وتعمل على معالجة الوضع. وناشد المسؤولين الاهتمام بالجامعة اللبنانية لانها جامعة الشعب فهناك 87000 طالب ونتيجة الوضع الاقتصادي الصعب ازداد عدد الطلاب هذه السنة 5000 طالب.
وقال: “الجامعة اللبنانية مهملة منذ فترة ولديها مطالب قديمة، منها الحاجة الى اساتذة متفرغين، فيما ملف الدخول الى الملاك مؤجل”.
عجاقة
ورأى الخبير الاقتصادي والاستاذ الجامعي الدكتور جاسم عجاقة “ان الوضع الاقتصادي صعب جدا والى المزيد من التأزم والتردي، وان القدرة الشرائية للمواطن ضربت بشكل كبير، وجشع التجار ليس له حدود”، لافتا الى تصريح المدير العام لوزارة الاقتصاد محمد ابو حيدر الاخير بأن “التجار يسعرون بضائعهم عل سعر 14,500 ليرة لبنانية للدولار الواحد، وبالتالي هذا الامر له تداعيات كارثية على المواطن اذا لم يتم اخذ اجراءات معينة للجم هذا الامر”.
وأكد عجاقة انه “لا يمكن المس بالاحتياطي في مصرف لبنان الذي بدأ بالنفاد”، وقال: “هناك عصابات عابرة للقطاعات، خصوصا للتهريب، واصحاب النفوذ والصرافين والمصرفيين. والحل بحكومة قادرة على لعب دورها، ومع التعقيدات السياسية الواضحة التي تحول دون تشكيل حكومة جديدة، هناك عدد من الاجراءات التي يجب ان تتخذها حكومة تصريف الاعمال كضبط التهريب والسوق السوداء التي لم يعد لها مبرر للوجود، خصوصا بعد اطلاق المنصة من قبل مصرف لبنان، اضافة الى تحرير الاستيراد المحصور بقلة من التجار والطلب من البلديات تخصيص 2% من اراضيها لاقامة مشاريع زراعية من قبل المواطنين لتحقيق الاكتفاء الذاتي، فنحن نعتمد على الاستيراد بنسبة 85%.
وحذر من ان نصل الى “مرحلة تخرج فيها الامور عن السيطرة، وتزداد نسبة الفقر بشكل كبير”، واكد “ان رفع الدعم عن المواد الغذائية سيحصل باستثناء مواد معينة كالخبز، لانه خط احمر. انما يجب رفع الدعم عن المحروقات مع تخصيص بطاقات للمواطنين. وبالنسبة لقطاع الادوية والمستلزمات الطبية فان التهريب مرعب، وسيرفع الدعم عن الادوية باستثناء المحددة في لائحة مسبقة، وذلك لضبط التهريب”.
ولفت عجاقة الى تقرير البنك الدولي “الذي اعتبر ان لبنان يمر في اخطر ازمة اقتصادية منذ الحرب العالمية، وغارق في انهيار اقتصادي قد يضعه ضمن أسوأ عشر أزمات عالمية منذ منتصف القرن التاسع عشر، في غياب أي أفق لحل يخرجه من واقع مترد يفاقمه شلل سياسي. وتوقع البنك الدولي في تقريره أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في لبنان، الذي يعاني من “كساد اقتصادي حاد ومزمن”، بنسبة 9.5 في المئة في العام 2021″، مشيرا الى ان الاسعار في لبنان هي من الاغلى في منطقة الشرق الاوسط”.
واشار الى ان اساتذة الجامعة اللبنانية من الفئات الاكثر تضررا، وقد كانوا في المبدأ من اصحاب افضل الرواتب في الدولة اللبنانية، اذ فقدت رواتبهم 10% من قيمتها. جميع الاساتذة تضرروا سواء كانوا في الملاك او متفرغين او متعاقدين. رئاسة الجامعة الدكتور فؤاد ايوب قامت بمبادرات عديدة، منها تم اقرارها ومنها قيد الاقرار، وعلى رأس هذه المبادرات السماح للاساتذة بالاشراف على دكتوراه واحدة خارج الجامعة اللبنانية، مقابل اتعاب او المشاركة في لجان فاحصة في الجامعات الخاصة. وهناك مشروع قيد الدراسة يسمح لاستاذ الجامعة ان يعطي ساعات اضافية وكل ذلك بهدف التخفيف من هجرة الاساتذة الذين لم تعد رواتبهم كافية، خصوصا الاساتذة المتعاقدين”.
وأعلن ان نسبة الاساتذة الذين هاجروا هي قرابة 30% وهذا الامر ينعكس سلبا على الجامعة والطلاب والبلد بشكل عام”، ورأى ان “الحل في ظل صعوبة زيادة الرواتب التي تتطلب المزيد من طباعة النقود والمزيد من التضخم، هو في البحث عن اساس المشكلة، عندما ضربوا الثبات النقدي.
واكد ان “الحل هو باعادة الثبات النقدي الذي يتطلب عددا من الاجراءات، لان الثبات النقدي اساسي في ثبات الاسعار ثم العمل على اتخاذ اجراءات هيكلية لتحسين القدرة الشرائية، اذ يجب العمل على تثبيت الاسعار المرتبطة بالسوق السوداء المسيطرة عليها عصابات تعمل على التهريب والمضاربة”.
وعن ملف الادوية، اشار عجاقة الى انه “في العام الماضي دعم مصرف لبنان الادوية والمستلزمات الطبية بقيمة مليار ومئة مليون دولار، وهذا العام، حتى الان يطالب مستوردو الادوية والمستلزمات الطبية بدعم تبلغ قيمته مليار وثلاثمائة مليون”، مؤكدا ان “المواطن دائما يدفع الثمن ويعاني من فقدان الادوية في الصيدليات وارتفاع اسعارها ان وجدت”.