إبراهيم درويش- العربي المستقل
في آخر ليلة، من ليالي حرب تموز 2006، تقيّأ كيان الإحتلال الإسرائيلي ما في مخازنه من حقد، أمطر بها المدنيين، بوابل من الغل والحقد.
كان الكيان يبحث عن سبل التّعمية عن فشله في تحقيق أي مكسب عسكري، وفرغ بنك أهدافه من الأرصدة المزعومة، ولم تنفع منصّاته في ملئها، فأراد أن يبقي في الأذهان، طويلا صورة دماره الهائل، وأن يكون نصيب كل بيت، حصادا واسعاً من الإصابات الجسديّة، والمادية، والنفسيّة.
نجح العدو يومها، في إراقة سيول الدماء، فآلة قتله، المدجّجة بغطاء دولي، وتخاذل “ذوي القربى”، كانت أشدّ وقعا وفتكا، ولم يكن خافياً على أحد، حتى على من غضّوا الطرف، وصمّوا الآذان، أن أهدافه كانت المدنيين وممتلكاتهم.
حاول جيش الاحتلال، تثبيت دعائم كيانه، عبر عصف ناري مهول. أراد أن ينقل الإعلام صور الدّمار الهائل الذي خلّفه.
لم يعر الجيش الدموي أيّ أهميّة، كما لم يفعل يوما، لحكايا التضامن الإنساني، ولا لتكرّس صورته في أذهان الشعوب، على أنه وحش كاسر، لا يرفّ له جفن، لأنين الأطفال، ولا لقهر الأمّهات الثكلى، بل كان هذا جلّ أهدافه، كان يريد، بكل بساطة، أن يقول للعالم بأسره، أنا كيان فوق كل الأعراف الأخلاقية والإنسانية.
لا زلت، أذكر تفاصيل تلك الليلة، التي استبقت وقف إطلاق النار، كان يمكنك أن تسمع صدى صواريخ الحقد والقذائف في أي بقعة من بقاع لبنان، لكنّها كانت أغلبها بلا صدى، فلا الأصوات المتضامنة ارتقت لترتفع فوق القتل، ولا المجتمع الدّولي، إستفاق من سباته.
في غزّة، رفع العدو في اليومين الماضيين وتيرة إجرامه، كان يشاركنا الأصدقاء حتى ساعات الصباح الأولى، مشاهد الصواريخ المنفجرة، والغارات العمياء.
كان ليل غزة موجعا، كان كل شيء أشبه الى بركان هائج، يلفظ حممه بوحشيّة، كان الدوي، كفيلاً بأن يعيد الى الأذهان مشاهد المجازر البشرية والسكانية، كان سقوط المباني، وحشيا، الى حدّ تخال فيه أنك تسمع تهشّم العظام المنصهرة تحت جدران، إئتمنتها على حمايتها، فتخاذلت.
نجح العدو وقد ينجح ليس لفترات طويلة، في إحداث مساحات واسعة من الدمار. نجح وسينجح في تمزيق الأجساد، لكن صواريخه المدعومة، وعلى تعاقب جولاته واعتداءاته عجزت أن تخترق الروح، التي نمت وكبرت، وأصبحت أكثر التصاقا بالأرض، لتعيد البحث من جديد، الى بدايته، “هذه الأرض لنا… وليس “أهلا ولا سهلا بكم عليها”، حتى ضيوفاً.