حتى الصيدليات في منطقة النبطية أقفلت، فالأدوية داخلها مفقودة والمخزون نفد. فمنذ عيد الفصح الماضي لم تتسلم الصيدليات اي دواء من الشركات التي تمنّعت عن تلبية طلباتها بذريعة الاعتمادات التي باتت حجّة جاهزة لتبرير الأزمة.
مع بداية ايام عيد الفطر، اقفلت صيدليات النبطية ابوابها، أكثر من 80 بالمئة منها التزم الاقفال، اما الـ20 ممّن فتح، فيعاني نقصاً حادّاً في الادوية وحليب الاطفال، حتى “إبرة الكزاز” مفقودة، ما دفع بصيادلة النبطية الى رفع الصوت، فالازمة هذه المرة “تدقّ” بصحة المواطن مباشرة، حتى الجنريك بات غير متوفر، فأي مصير ينتظر الصيادلة والمواطن على حدّ سواء؟
ساعات أمضاها يوسف بحثاً عن دواء لزوجته الحامل وحليب لابنته، لم يترك صيدلية الا وقصدها، بعضها مقفل واخرى تقابله “ما في دواء ولا حليب”. من النبطية وصولاً حتى كفرتبنيت والجوار، جال يوسف علّه يعثر على طلبه ولكن “ما في ادوية”، يقف امام احدى الصيدليات خائباً، “وصلت بهم الحال الى محاربتنا بأدوية اطفالنا، الى هذا الحدّ باتت حياتنا رخيصة بنظر الفاسدين”. ما يزعجه اكثر ليس فقدان الدواء فحسب بل تهديد الناس بصحّتهم “يضغطون علينا بدوائنا، بعلاجنا، شو بعد في شي ما حاربونا فيه”؟ يحاول يوسف أن يتمالك اعصابه ولكنه يصرخ “بيكفي ما يجرّبوا يحاربونا بولادنا، رح يشوفوا شي ما بيرضيهن”.
لم تكن ازمة الدواء وليدة اللحظة، فهي جاءت على خلفية تراكمات الشهور الماضية، نداءات واستغاثات عديدة وجّهها الصيادلة للمسؤولين في الدولة، أكدوا خلالها أن الدواء مهدّد بالانقطاع ما لم يُصر الى ايجاد حل سريع، غير أنها لم تجد نفعاً الى أن وقع المحظور، فالازمة مرجّحة للتفاقم اكثر ما لم تسلمّ الشركات الصيدليات الادوية، ما يعني أنّ المواطن سيجد صعوبة حتى في ايجاد دوائه.
أحد الصيادلة اكد لـ”نداء الوطن” أنّ الازمة تتّجه نحو التفاقم، اذ منذ فترة تعمّدت الشركات تسليمنا الدواء بالقطّارة، حتى وصلنا الى نقطة الصفر، ما في دواء وما في مخزون”. وِفق الصيدلي نفسه، فـ”إن لعبة الدواء هذه خطيرة، واذا أمعنت الشركات في سياستها، حينها سنتّجه نحو الاقفال، وقتذاك سنكون أمام ازمة صحّية خطيرة جداً، والاخطر من ذلك أنّ الزعماء يحاولون تمرير رسائل لبعضهم عبر صحّة الناس، غير آبهين ببكاء مريض من وجعه لأنه عجز من تأمين الدواء”.
لم يجد الصيادلة خياراً آخر غير الاقفال، فهم على خط تماس مباشر مع المواطن، ماذا سيقولون “ما في دواء”، الامر الذي دفعهم للاقفال، اما المواطن فخرج يبحث عن دواء من دون جدوى، وابراهيم وجد صعوبة في ايجاد ابرة كزاز له، حتى في المستشفى غير متوفرة ما اضطره للبحث طويلاً ليعثر عليها. على ما يبدو الأزمة متّجهة نحو التفاقم أكثر، وقد تدخل الصيدليات في اضراب مفتوح، وفق ما أكد الصيدلي جهاد الذي يصف الأمر “بالكارثة الكبرى”. يحاول جهاد أن يفنّد الازمة فيرى أنها ذات ابعاد ثلاثية أولاً تخزين الدواء من قبل المواطن بكميات كبيرة، ثانياً تمنّع الشركات عن تسليم الدواء بحجة عدم فتح مصرف لبنان الاعتمادات اللازمة والبعد الثالث تتحمّله وزارة الصحة التي يفترض ان تضغط باتجاه الحل، لأن فقدان الدواء يهدّد حياة المواطن ويضعه على المحك”. يؤكد جهاد أن “الصيادلة اضطروا على مضض لاتخاذ قرار الاقفال الوقتي، فمنذ عيد الفصح لم يجر تسليمهم أي دواء، وهو ما ادّى الى نفاد المخزون لديهم”، ويشير الى أنه “اذا لم نتسلم الدواء يوم الاثنين يعني أن الازمة ستتفاقم أكثر، والصيدليات ستبقى مقفلة”.
معظم الادوية المفقودة هي ادوية الامراض المزمنة والرئيسية اضافة الى حليب الاطفال، وبالرغم من وجع الناس، لم يتحرّك أحد للملمة الازمة واجتراح حل لها، فالأزمة يبدو أنها لا تعني الزعماء، حين يموت مريض على باب الصيدلية حينها فقط يخرج الزعيم ليسجّل موقفاً ولكن قبل الكارثة لن يتحرك احد.
رمال جوني “نداء الوطن”