يعقد مجلس نقابة الأطباء في بيروت، اليوم، جلسة لاستكمال «المباحثات» حول التصعيد الذي أعلنته قبل يومين احتجاجاً على قرار رئيس محكمة استئناف الجنح في بيروت القاضي طارق بيطار المتعلق بقضية الطفلة ايلا طنوس. حتى ليل أمس، كانت أجواء النقابة لا تزال «حامية» بسبب «السخط» الذي أثاره القرار القضائي، وعليه يستبعد أن يقرر المجلس التراجع عن الإضراب التحذيري المتوقع أن يدوم أسبوعاً في انتظار التوصل إلى «حلحلة ما»، على ما تقول مصادر النقابة التي لم توفر في اليومين الماضيين جهداً كي «تحشد» ضد القرار القضائي الذي اعتبرته «خطراً على الأمن الصحي»!
حالة الاستنكار استكملت أمس باعتصام رمزي أمام قصر العدل في بيروت، وإعلان «نقابة أصحاب المستشفيات في لبنان»، في بيان، أن جميع المستشفيات الخاصة ستتوقف عن استقبال المرضى في مختلف الأقسام بما فيها العيادات الخارجية، «باستثناء الحالات الطارئة ومرضى غسيل الكلي والعلاج الكيميائي، وذلك بدءاً من اليوم ولغاية السبت في 15 أيار 2021».
ولعل ما فاقم «هستيريا» الأطباء هو أن قرار القاضي بيطار مُبرم وغير قابل للتمييز، لعدم وجود خلاف بين الحكم البدائي ومحكمة الاستئناف على الوصف الجرمي، «ولأن محكمة التمييز لا تراقب الواقع، ومقدار التعويض هو واقع وليس قانوناً»، وفق مصادر قانونية لفتت إلى أن من يرفض القرار عليه أن يطالب بتعديل القانون، فيما تطرح تساؤلات بشأن ردّ فعل النقابة المُستغرب؛ إذ إنّ الحكم استند إلى ثلاثة تقارير طبية، أبرزها تقرير صادر عن لجنة التحقيقات القضائية التي رأسها نقيب الأطباء الحالي شرف أبو شرف! فكيف للنقيب أن «يثور» ضد تقرير أعدّته لجنة برئاسته؟ مصادر مقرّبة من النقيب تنقل عنه أن التقرير «فُسّر على ما هو غير عليه»! كيف؟ لا أحد يعرف.
إلى ذلك، كان لافتاً خُلوّ بيان الإدانة الذي أصدرته النقابة من أيّ بنود تفصيلية تتضمن شرحاً تقنياً وعلمياً وموضوعياً ينافي ما ورد في التقارير العلمية التي استند اليها الحكم، واكتفاؤه بالإشارة الى توقيت إصدار الحكم وضرورة الأخذ في الاعتبار النظام الصحي العام ووضع الأطباء في المُستشفيات.
مصادر نقابية «استرسلت» في حديثها إلى «الأخبار» حول ما كانت قد أشارت اليه النقابة سابقاً لجهة تأثير هذا القرار على سلامة المرضى! وقالت إن هذا الحكم «لن تغدو بعده علاقة الطبيب بمريضه كما كانت، سواء على صعيد التعرفة أم على صعيد العلاقة الإنسانية الطيّبة»! وهذا التلميح بـ«عقاب» المرضى ورد على لسان أكثر من طبيب «منتفض» على مواقع التواصل الاجتماعي ممّن أبدوا غضبهم إزاء المرضى الذين لا يُقدّرون جهود الأطباء! لكنّ أحداً لم يتمكن من فهم كيف تحوّل النقاش من قرار قضائي حكم بمقاضاة مستشفيين وطبيبين بتهمة الخطأ الطبي إلى علاقة الطبيب بمحيطه!
خمس سنوات مرّت على «اندلاع» القضية، لم يتواصل خلالها أحد من المعنيين في المستشفى أو من المقرّبين من الأطباء مع أهالي الطفلة لعرض الصلح على ما قال والد الطفلة حسان طنوس، ولم تقدم النقابة على أي تحقيق داخلي تمهيداً لاتخاذ إجراءات تأديبية. وإذا كانت النقابة نفسها قد «سلّمت» بوجود الخطأ الطبي، ويتوقف اعتراضها على قيمة التعويض، فلماذا لم تُقدم على خطوة كهذه؟ عضو مجلس النقابة الدكتور مروان الزعبي أقرّ في اتصال مع «الأخبار» بوجود تقصير كبير في مسألة الإجراءات التأديبية، لافتاً إلى أن تساهل النقابة مع أخطاء الأطباء سمح لكثيرين بالتمادي، «لكن هذا الأمر تاريخي في النقابة وليس جديداً، ونعمل على تحسينه».
في معرض السؤال عن المبالغة في ردود فعل الأطباء، تردّ المصادر النقابية نفسها بالقول، «بمعزل عن صوابية القرار الحكم، هناك خطر على سلامة المرضى في ما بعد»، مكرّرة ما ورد في بيان مجلس النقابة قبل أيام! وعليه، يبدو أن المنطق الأساسي الذي تُحاضر به النقابة مرتبط بأنها تقرّ بأن الأطباء يخطئون، وأن مجلس النقابة متقاعس عن تأدية دوره الرقابي «تاريخياً»، لكنها لا تقبل بفرض أحكام قضائية رادعة!
مصادر قانونية متابعة للملف رأت أن ما يحصل «انتفاضة» من قبل النقابة التي لا تريد المس بالأطباء، لكنها لا تريد محاسبتهم أيضاً، وهو أمر لم يعد مسموحاً. على الأقل هذا ما يحاول القرار القضائي إرساءه.