كتب ماهر الدنا:
في كرة القدم يُطلق على من يراهن على فوز فريق ضمن هبوطه إلى الدرجة الثانية بالمنتحر، وهكذا في السياسة، فما فعله حزب الله وحركة أمل وحلفائهما حينما اختاروا من ترفضه مرجعيته الاقليمية رئيسًا لتشكيل حكومة انقاذ. وفي كرة القدم أيضًا، يُطلق على المدير الفني الذي يتريّث في الدقيقة تسعين دون أن يدفع كل لاعبيه بما فيهم حارس المرمى للهجوم لعلّه يقتنص هدفًا يقيه شرّ الخسارة بالضعيف، إن هذّبنا التعبير، وهكذا في السياسة أيضًا، فتريُّث سعد الحريري اليوم سيُخسره نقاط المباراة الحالية وسيُهبطه لموسم كامل إلى الدرجة الثانية، وعندها عليه القتال من جديد كي لا يشبه أندية هبطت فبكى جمهورها على أمجادها الغابرة.
في الساعات الـ48 تلقّى الرئيس المكلّف سعد الحريري أكثر من صدمة على صعيد الغطاء الخارجي الذي كان قد أعطي لحركته السياسية طوال فترة، لا سيّما من الجانبين المصري والإماراتي، واليوم الفرنسي.
فالرجل الذي زار عواصم تلك الدول أكثر من مرة كان قد سمع كلامًا ايجابيًا ووعود بوساطات مع الرياض للموافقة على تشكيله للحكومة اليوم. بين ليلة وضحاها، وتحديدًا بعد التقدّم الكبير الذي أحرزته المفاوضات الأميركية الإيرانية بحضور عدد من الدول الكبرى في ڤيينا، وبعد كلام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الإيجابي عن ايران، وبعد زيارة وفد سعودي سياسي أمني رفيع لدمشق (هو ليس الأوّل في المناسبة)، فوجئ الحريري بنصيحة تلقّاها من صديق اماراتي رفيع، تنصحه بالإعتذار عن تشكيل الحكومة كونه بات مرفوضًا، وبأن التسوية ستصل إلى لبنان بعد حين، ولا يمكن له أن يوجد ضمن إطار ترفضه المملكة، لا سيما وأن المظلّة الإقليمية بدأت ألوانها تظهر، وهي ألوان العلمين السوري والسعودي، لمظلّة أوسع أميركية روسية ايرانية فرنسية. دلو الماء البارد هذا أربك المحيطين بالحريري، خصوصًا بعدما شعر هو الآخر بفتور الحضن الفرنسي. يتمٌ ما بعد يتمٍ للأمانة!
أمام الحريري ساعات حاسمة ما زال فيها متريّثًا فيما تلوح ثلاثة سيناريوهات في الأفق أحلاها مرّ:
خياره الأوّل والذي ترجّحه أجواء بيت الوسط، وهو الإعتذار والتنحّي جانبًا، على أن يسبق الخطوتين خطاب عاطفي يسعى من خلاله لاستعطاف الشارع السنّي، مع الرهان أن أي حكومة ستتشكّل عبر غيره سينفجر بوجهها الشارع مع بدء دخول رفع الدعم عن السلع الأساسية حيّز التنفيذ.
خياره الثاني، هو الإعتذار بعد خطاب عاطفي أيضًا، لتتوجه كتلته في اليوم التالي إلى المجلس النيابي لتقديم استقالتها من المجلس النيابي. وفي هذا الإطار تفيد المعلومات أن موفدًا زار بكركي مساء أمس طارحًا فكرة الاستقالة بعد الاعتذار على البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، لعلّه يكون جسر توافق مع القوات اللبنانية على النقطة عينها.
خيار الاستقالة الذي يلوح في الأفق اليوم هو مقترح قديم جديد كان قد أحجم عنه الحريري وجعجع في وقت سابق، يعتقد اليوم محيط الحريري أنّه سيشكّل أداة ضغط خصوصًا تجاه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، للدفع نحو اجراء انتخابات مبكرة.
الحريري هنا يعلم أنّه لن يربح الشارع ولكنّه قد يقلّص خسارات مستقبلية أمام تصاعد نجم شقيقه بهاء على الساحتين الطرابلسية والصيداوية، ولكي يثبت في الوقت عينه للمجتمع الدولي تحديدًا أن ورقته ما زالت حيّة.
خياره الثالث، وهو الدفع بكل أوراقه الهجومية.
فلو كنت سعد الحريري، ولو كان أي مواطن مكانه، حُشر في زاوية يراد له الخروج منها محطّمًا، لتناول ورقة وقلم، كتب عليها أسماء حصّته الوزارية، وتوجّه إلى القصر الجمهوري داعيًا رئيس الجمهورية لتسمية الوزراء المسيحيين ومن يراه مناسبًا وفليوقع المرسوم.
بهذه البساطة، والجنون في آن، يضمن بقائه على المشهد رئيسًا لحكومة لبنان، في وقت تُرسم خارطة سياسية جديدة في المنطقة سيكون لبنان جزءًا أساسيًا منها، وليجلس في السراي الحكومي بعدها مشاهدًا يفرض هو نفسه على الحلول لا يطلبها راجيًا!
لو كنت سعد الحريري لقرأت بهدوء المشهد، ولعلمت أن لبنان سيدخل مرحلة جديدة من الرعاية الاقليمية بغطاء دولي، ولعلمت أن الحلول الإقتصادية ولو الجزئية ستحضر كونها ستُطرح على الطاولة بعد حين.
لو كنت سعد الحريري لشكّلت الحكومة ولو بشروط الآخرين كي لا أخسر ما بوسعي اليوم الحفاظ عليه، وهو منصب رئاسة الحكومة.
لو كنت سعد الحريري لأيقنت أن الإعتذار وانتظار انتخابات مبكرة، يُرجّح عدم حصولها، يعني الخروج من الحياة السياسية حتى اشعارٍ سعودي سوري آخر.
لو كنت سعد الحريري لرفضت أن يتم استبدالي قبل بداية المباراة !